للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يأخذ منها شيئًا. ونعلم بالضرورة أن هذا لم يكن في عصر التابعين ولا تابعي التابعين، فليكذبنا المقلدون برجل واحد سلك سبيلهم الوخيمة في القرون الفضيلة على لسان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وإنما حدثت هذه البدعة في القرن الرابع المذموم على [لسان رسول اللَّه] (١) -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فالمقلدون لمتبوعهم في جميع ما قالوه يبيحون به الفروج والدماء والأموال، ويحرمونها, ولا يدرون أذلك صواب أم خطأ على خطر عظيم، ولهم بين يدي اللَّه موقف شديد يعلم فيه من قال على اللَّه ما لا يعلم أنه لم يكن على شيء.

وأيضًا فنقول لكل من قلَّد واحدًا من الناس دون غيره: ما الذي خص صاحبك أن يكون أولى بالتقليد من غيره؛ فإن قال: "لأنه أعلم أهل عصره" وربما فضله على من قبله مع جزمه الباطل أنه لم يجيء بعده أعلم منه؛ قيل [له] (٢): وما يدريك ولست من أهل العلم بشهادتك على نفسك أنه أعلم الأمة في وقته؟ فإن هذا إنما يعرفه من عرف المذاهب وأدلتها وراجحها من مرجوحها فما للأعمى ونقد الدراهم؟! وهذا أيضًا باب آخر من القول على اللَّه بلا علم، ويقال له:

ثانيًا: فأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وعائشة وابن عباس [وابن عمر] (٣) -رضي اللَّه عنهم- أعلم من صاحبك بلا شك، فهلا قلدتهم وتركته؟ بل سعيد بن المسيب والشعبي وعطاء وطاوس وأمثالهم أعلم وأفضل بلا شك، فلم تركت تقليد الأعلم الأفضل الأجمع لأدوات الخير والعلم والدين ورغبت عن أقواله ومذاهبه إلى من هو دونه؟ فإن قال: "لأن صاحبي ومن قلدته أعلم به مني، فتقليدي له أوجبُ على مخالفةِ قولهِ لقول مَنْ قلَّدتُه؛ لأن وفور علمه ودينه يمنعه (٤) من مخالفة من هو فوقه وأعلم منه إلا لدليل صار إليه هو أولى من قول كل واحد من هؤلاء" قيل له: ومن أين علمت أن الدليل الذي صار إليه صاحبك الذي زعمت أنت أنه صاحبك أولى من الدليل الذي صار إليه مَنْ هو أعلم منه وخير منه أو هو نظيره؟ وقولان معًا متناقضان لا يكونان صوابًا، بل أحدهما هو الصواب، ومعلوم أن ظفر الأعلم الأفضل بالصواب أقرب من ظفر من هو دونه. فإن قلت: "علمت ذلك بالدليل"


(١) بدل ما بين المعقوفتين سقط في (ك) و (ق): "لسانه".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك).
(٤) في (ن) و (ك): "منعه".

<<  <  ج: ص:  >  >>