للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعصمه فلا يذنب، فعلم ما يفعل به مِن رضاه عنه، وأنه أول شافع ومشفع يوم القيامة، وسيّد الخلائق، وقال لنبيه: {ولَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] وجاءه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل في امرأة رجل رماها بالزنا، فقال له يَرْجع، فأوحى اللَّه إليه آية اللعان فلاعن بينهما (١)، وقال: {[قُلْ] (٢) لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: ٦٥]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ [وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ] (٢)} [لقمان: ٣٤] الآية، وقال لنبيه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النازعات: ٤٢ - ٤٣] فحَجَب عن نبيه علم الساعة، وكان مَنْ عدا ملائكة اللَّه المقربين وأنبياءه المصطفين من عباد اللَّه أقصر علمًا من ملائكته وأنبيائه، واللَّه عز وجل فَرضَ على خلقه طاعة نبيه، ولم يجعل لهم من الأمر شيئًا. وقد صنَّف الإمام أحمد -رضي اللَّه عنه- كتابًا في طاعة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- (٣) ردَّ فيه على من احتج بظاهر القرآن في معارضة سنن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وترك الاحتجاج بها، فقال في أثناء خطبته: إن اللَّه جل ثناؤه وتقدست أسماؤه بعث محمدًا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأنزل عليه كتابه الهدى والنور لمن اتبعه، وجعل رسولَه الدال على ما أراد من ظاهره وباطنه وخاصِّه وعامِّه وناسخه ومنسوخه وما قصد له الكتاب؛ فكان رسول اللَّه هو المعبِّر عن كتاب اللَّه الدال على معانيه، شَاهَدَه في ذلك أصحابه الذين ارتضاهم اللَّه لنبيه واصطفاهم له، ونقلوا ذلك عنه، فكانوا هم أعلم الناس برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبما أراد اللَّه من كتابه بمشاهدتهم ما قصد له الكتاب، فكانوا هم المُعبِّرين عن ذلك بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال جابر: ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أظهرنا عليه ينزل القرآن وهو


(١) هو حديث سهل بن سعد في قصة عويمر العجلاني: رواه البخاري (٤٢٣) في (الصلاة): باب القضاء واللعان في المسجد، و (٤٧٤٥) في (التفسير): باب {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ. . .}، و (٤٧٤٦) باب {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٧)} و (٥٦٥٩) في (الطلاق): باب من جوز الطلاق الثلاث، و (٥٣٠٨) في (اللعان): و (٥٣٠٩) في (التلاعن في المسجد)، و (٧١٦٥ و ٧١٦٦) في (الأحكام): باب من قضى ولاعن في المسجد، و (٧٣٠٤) في (الاعتصام): باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين، ومسلم (١٤٩٢) في أول اللعان.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) ذكره له في "مختصر الصواعق المرسلة" (٢/ ٥٣٠) أيضًا، وقال: "رواه عنه ابنه صالح"، ونقل خطبته؛ كما فعل هنا، وانظر: "موارد ابن القيم في كتبه" (رقم ٢٨٧).
وأكثر أبو يعلى الفراء في "العدة في أصول الفقه" من النقل عنه، انظر: "فهرسته" (٥/ ١٧٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>