هم أهله في عصرنا وقبله، أنهم كانوا يفتون بها أحيانًا" قال: "فأخبرني صاحبنا الصادق محمد بن شهوان، قال: أخبرني شيخنا الذي قرأتُ عليه القرآن -وكان من أصدق الناس- الشيخ محمد بن المحلى، قال: أخبرني شيخنا الإمام خطيب جامع دمشق عز الدين الفاروقي، قال: كان والدي يرى هذه المسألة، ويفتي بها ببغداد".
وقال في (٤/ ٥٦): "وأخبرني رجل من علمائهم -أي: علماء الطبيعة- أنه أجلس قرابةً له يكحل الناس؛ فرمد، ثم برئ، فجلس يكحلهم، فرمد مرارًا، قال: فعلمتُ أن الطبيعة تنقل، وأنه في كثرة ما يفتح عينيه في أعين الرُّمْد، نقلت الطبيعة الرمد إلى عينيه" وقال في (٥/ ٧٦):
"أن مفتيين اختلفا في جواب فكتب تحت جوابهما: جوابي مثل جواب الشيخين، فقيل له: إنهما قد تناقضا فقال: وأنا أتناقض كما تناقضا. وكان في زماننا رجل مشار إليه بالفتوى، وهو مقدَّم في مذهبه، وكان نائب السلطان يرسل إليه في الفتاوى، فيكتب، يجوز كذا، أو يصح كذا، أو ينعقد بشرطه فأرسل إليه يقول له: تأتينا فتاوى منك فيها يجوز أو ينعقد أو يصح بشرطه، ونحن لا نعلم شرطه، فإما أن تبيّن شرطه، وإما أن لا تكتب ذلك.
وسمعت شيخنا يقول: كلُّ أحد يحسن أن يفتي بهذا الشرط، فإن أي مسألة وردت عليه يكتب فيها يجوز بشرطه أو يصح بشرطه أو يقبل بشرطه ونحو ذلك، وهذا ليس بعلم، ولا يفيد فائدة أصلًا سوى حيرة السائل وتنكده، وكذلك قول بعضهم في فتاويه: يرجع في ذلك إلى رأي الحاكم، فيا سبحان اللَّه! واللَّه لو كان الحاكم شُريحًا وأشباهه لما كان مردُّ أحكام اللَّه ورسوله إلى رأيه، فضلًا عن حُكَام زماننا، فاللَّه المستعان".
وقال في (٥/ ٩٧ - ٩٨):
"وأذكر لك من هذا مثالًا وقع في زماننا، وهو أن السلطان أمر أن يلزم أهل الذمة بتغيير عمائمهم، وأن تكون خلاف ألوان عمائم المسلمين، فقامت لذلك قيامتهم وعظم عليهم، وكان في ذلك من المصالح وإعزاز الإسلام وإذلال الكفرة ما قرَّت به عيون المسلمين؛ فألقى الشيطان على ألسنة أوليائه وإخوانه أن صوَّروا فتيا يتوصلون بها إلى إزالة هذا الغيار، وهي: ما تقول السادة العلماء في قوم من أهل الذمة أُلزموا بلباس غير لباسهم المعتاد، وزي غير زيهم المألوف، فحصل