للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم بذلك ضرر عظيم في الطرقات والفلوات وتجرأ عليهم بسببه السفهاء والرعاع وآذوهم غاية الأذى، فطُمِع بذلك في إهانتهم والتعدي عليهم؟ فهل يسوغ للإمام ردهم إلى زيهم الأول، وإعادتهم إلى ما كانوا عليه مع حصول التميز بعلامة يُعرفون بها؟ وهل في ذلك مخالفة للشرع أم لا؟ فأجابهم مَنْ مُنِع التوفيق، وصُدَّ عن الطَّريق بجواز ذلك، وإن للإمام إعادتهم إلى ما كانوا عليه، قال شيخنا: فجاءتني الفتوى، فقلتُ: لا تجوز إعادتهم إلى ما كانوا عليه ويجب إبقاؤهم على الزي الذي يتميزون به عن المسلمين، فذهبوا، ثم غيَّروا الفتوى، ثم جاءوا بها في قالب آخر، فقلت: لا تجوز إعادتهم، فذهبوا، ثم أتوا بها في قالب آخر، فقلت: هي المسألة المعينة، وإنْ خرجت في عدة قوالب، ثم ذهب إلى السلطان وتكلَّم عنده بكلامٍ عجب منه الحاضرون، فأطبق القوم على إبقائهم وللَّه الحمد.

ونظائر هذه الحادثة أكثر من أن تحصى، فقد ألقى الشيطان على ألسنة أوليائه أن صوَّروا فتوى فيما يحدث ليلة النصف في الجامع وأخرجوها في قالب حسن، حتى استخفوا عقل بعض المفتين فأفتاهم بجوازه، وسبحان اللَّه كم تُوُصِّل بهذه الطريق إلى إبطال حق وإثبات باطل! وأكثرُ الناس إنما هم أهل ظواهر في الكلام واللباس والأفعال، وأهل النقد منهم الذين يعبرون من الظاهر إلى حقيقته وباطنه لا يبلغون عشر معشار غيرهم، ولا قريبًا من ذلك، فاللَّه المستعان".

وفي الكتاب استطرادات حول (تعبير الرؤى) (١)، لم يعزها المصنف لأحد، والغالب أنها مأخوذة عن شيخه أبي العباس أحمد بن عبد الرحمن بن سرور المقدسي (٦٢٨ - ٦٩٧ هـ)، وقد وجدته يصرح بذلك في كتابه "زاد المعاد" (فصل: قدوم وفد بني حنيفة) (٢) فإنه نقل عنه جملة من (التعبير)، ثم قال:

"وهذه كانت حال شيخنا هذا، ورسوخه في علم التعبير، وسمعتُ عليه عدة أجزاء، ولم يتفق لي قراءة هذا العلم عليه لصغر سنه، واخترام المنية له، رحمه اللَّه تعالى".

ولشيخه هذا "البدر المنير في علم التعبير" وشرحه أيضًا، والكلام الموجود


(١) في "ذيول العبر" (٤/ ١٥٥)، في ترجمة (ابن القيم): "وحدث عن شيخه -ابن تيمية- التعبير وغيره".
(٢) (٣/ ٦١٥ - ٦١٦ - ط مؤسسة الرسالة).

<<  <  ج: ص:  >  >>