للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو الرمي الذي نفاه عنه، وأثبت له الرمي الذي هو في محل قدرته وهو الخذْف (١)، وكذلك القَتْل الذي نفاه عنهم هو قتل لم تباشره أيديهم، وإنما باشرته أيدي الملائكة، فكان أحدهم يشتدُّ في أَثَر الفارس وإذا برأسه قد وقع أمامه من ضربة الملك، ولو كان المراد ما فهمه هؤلاء الذين لا فقه لهم في فهم النصوص لم يكن فرق بين ذلك وبين كل قتل وكل فعل من شرب أو زنى أو سرقة أو ظلم فإن اللَّه خالق الجميع، وكلام اللَّه يُنزَّه عن هذا (٢).

وكذلك قوله: "ما أنا حملتكم ولكن اللَّه حملكم" (٣) لم يُرد أنَّ اللَّه حَمَلهم بالقدر، وإنما كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- متصرفًا بأمر اللَّه منفّذًا له، فاللَّه سبحانه أمره بحملهم فنفَّذ أوامره، فكأن اللَّه هو الذي حملهم، وهذا معنى قوله: "واللَّه إني لا أعطي أحدًا شيئًا ولا أمنعه" (٣)، ولهذا قال: "وإنما أنا قاسم" (٤) فاللَّه سبحانه هو المعطي على لسانه وهو يقسم ما يقسمه (٥) بأمره، وكذلك قوله في العَزْل: "فسيأتيها ما قُدّر لها" (٦) ليس فيه إسقاط الأسباب؛ فإن اللَّه سبحانه إذا قَدَّر خلق الولد سبق من الماء ما يخلق منه الولد ولو كان أقل شيء فليس من كل الماء يكون الولد، ولكن أين في السنة أن الوطء لا تأثير له في الولد ألبتة وليس سببًا له، وأن الزوج أو


= حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
أقول: عبد اللَّه بن صالح كاتب الليث فيه كلام، وعلي بن أبي طلحة روايته عن ابن عباس مرسلة، لكن هناك شواهد مرفوعة وموقوفة تجعل للحادثة أصلًا أصيلًا؛ فانظر: "فتح الباري" (٧/ ٢٣٦) و"السيرة النبوية" (٢/ ٢٣٩) لابن كثير، و"الدر المنثور" (٤/ ٣٩ - ٤٢) وتعليقي على "الموافقات" (٣/ ٦٩ - ٧٠).
(١) "رمي الحصا بالأصابع" (و).
(٢) انظر مبحث ابن القيم في التعليل والأسباب في: "شفاء العليل" (٣٩٦ - ٤١٨)، و"مفتاح دار السعادة" (٦، ٨، ٣٦ - ٣٨، ٣٥٠ - ٣٥١، ٤٢٧، ٣٧٣ مهم)، و"بدائع الفوائد" (١/ ٤٤ - ٦٠ و ٢/ ٢٠٥، ٢١٠، ٢١١ و ٣/ ١٧٩ و ٤/ ١٢٧ - ١٣٠)، و"الداء والدواء" (٢٠ - ٢٢) مهم، و"حادي الأرواح" (ص ٨١ - ٨٢)، و"مدارج السالكين" (١/ ٩٤ و ٢/ ١١٦، ١١٨، ١٣٣، ١٣٤ و ٣/ ٣٩٥ - ٤١٠، ٤٩٥) مهم.
(٣) سبق تخريجه قريبًا.
(٤) جزء من حديث، رواه البخاري في (العلم) (٧١): باب من يرد اللَّه به خيرًا يفقهه في الدين، و (٣١١٦) في (فرض الخمس): باب قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} و (٧٣١٢) في (الاعتصام): باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق"، وهم أهل العلم، ومسلم (١٠٣٧) (١٠٠)، من حديث معاوية بن أبي سفيان.
(٥) في (د): "قسمه".
(٦) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>