للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواجب، وتجعله بعضَه، وتوجب التأثيم على المُقتصر عليه بعد أن لم يكن آثمًا (١)، وهذا معنى النسخ، وعليه [ترتَّب] (٢) الاسم، فإنه تابعٌ للمعنى؛ فإن الكلام في زيادة شرعية مغيرة للحكم الشرعي بدليلٍ شرعي متراخٍ عن المزيد عليه، فإن اختل وصْفٌ من هذه الأوصاف لم تكن نسخًا، فإن لم تغيّر حكمًا شرعيًا بل رفعت حكم البراءة الأصلية لم تكن نسخًا كإيجاب عبادة بعد أخرى، والزيادة إن كانت مقارِنة (٣) للمزيد عليه لم تكن نسخًا وإن غيَّرته (٤)، بل تكون تقييدًا أو تخصيصًا.

وأما الحكم فإن كان النصُّ المزيدُ عليه ثابتًا بالكتاب أو السنة المتواترة لم يُقبل خبرُ الواحد بالزيادة عليه، وإن كان ثابتًا بخبر الواحد قُبلت الزيادة، فإن اتفقت الأمة غلى قبول خبر الواحد في القسم الأول علمنا أنه ورد مقارنًا للمزيد عليه فيكون تخصيصًا لا نسخًا، قالوا: وإنما لم نَقبل خبرَ الواحد بالزيادة على النص لأن الزيادة لو كانت موجودةً معه لنقلها إلينا من نقل النص؛ إذ غيرُ جائزٍ أن يكون المراد إثباتَ النص معقودًا بالزيادة فيقتصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على إبلاع النص منفردًا عنها؛ فواجبٌ إذن أن يذكرها معه، ولو ذكرها لنقلها إلينا مَنْ نقلَ النص. فإن كان النص مذكورًا في القرآن والزيادة واردة من جهة السنة فغيرُ جائزٍ أن يقتصرَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على تلاوة الحكم المنزل في القرآن دون أن يعقبها بذكر الزيادة؛ لأن حصولَ الفراغِ من النص الذي يمكننا استعماله بنفسه يلزمنا اعتقاد مقتضاه من حكمه، كقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] فإن كان الحدُّ هو الجلد والتغريب فغير جائز أن يتلو النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الآية على الناس عارية من ذكر النفي عقبها؛ لأن سكوته عن ذكر الزيادة معها يلزمنا اعتقاد موجبها وأن الجلد هو كمال الحد؛ فلو كان معه تغريب لكان بعضَ الحد لا كماله، فإذا أخلى التلاوة من ذكر النفي عقيبها فقد أراد منا اعتقاد أن الجلد المذكور في الآية هو تمامُ الحد وكماله؛ فغير جائزٍ إلحاق الزيادة معه إلا على وجه النسخ، ولهذا كان قوله: "واغْدُ يا أُنيس على امرأةِ هذا فإن اعترفت فارجُمها" (٥) ناسخًا لحديث


(١) في المطبوع: "إثمًا".
(٢) في نسخة (ط): "يرتب".
(٣) في المطبوع: "وإن كانت الزيادة مقارنة".
(٤) انظر بحث ابن القيم -رحمه اللَّه- النسخ في: "مفتاح دار السعادة" (٣٦١ - ٣٦٤، ٣٧٠)، و"زاد المعاد" (٢/ ١٨٣)، و"شفاء العليل" (٤٠٥ - ٤٠٦).
(٥) رواه البخاري (٢٣١٤) و (٢٣١٥) في (الوكالة): باب الوكالة في الحدود.-وانظر أطرافه =

<<  <  ج: ص:  >  >>