للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كون الصلوات الخمس هي جميع الواجب ورفع التأثيم بالاقتصار عليها وإجزاء الإتيان في التَّعبدِ بفريضة الصلاة، والذي قال هذه الزيادة هو الذي قال سائر الأحاديث الزائدة على ما في القرآن، والذي نَقَلَها إلينا هو الذي نقل تلك بعينه أو أوثق منه أو نظيره، والذي فرض علينا طاعة رسوله وقبول قوله في تلك الزيادة هو الذي فرض علينا طاعته وقبول قوله في هذه، والذي قال لنا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: ٧] هو الذي شرع لنا هذه الزيادة على لسانه، واللَّه سبحانه وَلَّاه منصبَ التشريع عنه ابتداء، كما ولاه منصب البيان لما أراده بكلامه، [بل كلامه] (١) كله بيان عن اللَّه، والزيادة بجميع وجوهها لا تخرج عن البيان بوجهٍ من الوجوه، بل كان السلفُ الصالحُ الطيبُ إذا سمعوا الحديث عنه وجدوا تصديقه في القرآن ولم يقل أحد منهم قط في حديث واحد أبدًا: إن هذا زيادة على القرآن فلا نقبله ولا نسمعه ولا نعمل به، ورسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أجلُّ في صدورهم وسنتُه أعظمُ عندهم من ذلك وأكبر. ولا فرق أصلًا بين مجيء السنة بعددِ الطَّوافِ وعدد ركعات الصلاة ومجيئها بفرض الطمأنينة وتعيين الفاتحة والنية؟ فإن الجميعَ بيانٌ لمراد اللَّه أنه أوجب هذه العبادات على عباده على هذا الوجه، فهذا الوجه هو المراد، فجاءت السنة بيانًا للمُراد في جميع وجوهها، حتى في التشريع المبتدأ، فإنها بيان لمراد اللَّه من عموم الأمر بطاعته وطاعة رسوله، فلا فَرْق بين بيان هذا المراد وبين بيان المراد من الصلاة والزكاة والحج والطواف وغيرها، بل هذا بيانُ المراد من شيء وذاك بيانُ المراد من أعمّ منه؛ فالتغريبُ بيانٌ محض للمراد من قوله: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: ١٥] وقد صرَّح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن التغريب (٢) بيان لهذا السبيل المذكور في القرآن، فكيف يجوز رده بأنه مخالفٌ للقرآن معارضٌ له؟ ويقال: لو قبلناه لأبطلنا به حكم القرآن؟ وهل هذا إلا قلبٌ للحقائق؟ فإن حكم القرآن العام والخاص يوجب علينا قبوله فرضًا لا يسعنا مخالفته؛ فلو خَالفْناه لخالفنا القرآن ولخرجنا عن حكمه ولا بد، ولكان في ذلك مخالفة للقرآن والحديث معًا.

يوضحه الوجه الثاني: أن اللَّه سبحانه نصب رسوله (٣) -صلى اللَّه عليه وسلم- منصب المُبلِّغ المبين عنه، فكل ما شرعه للأمة فهو بيان منه عن اللَّه أنَّ هذا شرْعه ودينه، ولا


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ن)، و (ق) و (ك).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) كذا في (ق)، وفي باقي النسخ: "رسول اللَّه".

<<  <  ج: ص:  >  >>