للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه السنن المحكمة بأنها خلاف الأصول، ولعمرُ اللَّه إنها هي محضُ الأصول، وما خالفها فهو خلاف الأصول، وردت بالمتشابه من حديث ابن عباس حيث أحرم عن يسار النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأداره إلى يمينه، ولم يأمره باستقبال الصلاة (١)، وهذا من أفسد الرد، فإنه لا يشترط أن تكون تكبيرة الإحرام من المأمومين في حالٍ واحد، بل لو كبَّر أحدهم وحده ثم كبَّر الآخر بعده صحت القدوة ولم يكن السابق فذًّا، وإن أحرم وحده فالاعتبار بالمصافّة فيما تُدرك به الركعة، وهو الركوع، وأفسد من هذا الرد رَدُّ الحديث بأن الإمام يقف فَذًّا، وسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أجلّ وأعظم في صدور أهلها أن تُعارض بهذا وأمثاله.

وأقبح من هذه المعارضة معارضتها بأن المرأة تقف خلف الصف وحدها، فإن هذا هو موقفها المشروع بل الواجب، كما أن موقفَ الإمام المشروع أن يكونَ وحده أمام الصف.

وأمّا موقف الفذ خلف الصف فلم يشرعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ألبتَّة، بل شرع الأمر بإعادة الصلاة لمن وقف فيه، وأخبر أنه لا صلاةً له.

فإن قيل: فهب أن هذه المعارضات لم يسلم منها شيء، فما تصنعون بحديث أبي بكرة حين ركع دون الصف ثم مشى راكعًا حتى دخل في الصف، فقال له النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "زادَك اللَّه حرصًا ولا تَعُد" (٢)، ولم يأمره بإعادة الصلاة، وقد وقعت منه تلك الركعة فذًّا؟.

قيل: نقبله على الرأس والعينين، ونمسك قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تعد"، فلو فعل أحد ذلك غير عالم بالنهي لقلنا له كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سواء، فإن عاد بعد علمه بالنهي فإما أن يجتمع مع الإمام في الركوع، وهو في الصف أولًا، فإن جَامَعه في الركوع، وهو في الصف صَحَّت صلاته؛ لأنه أدرك الركعة، وهو غير فذ كما لو أدركها قائمًا (٣)، وإن رفع الإمام رأسه [من الركوع] (٤) قبل أن يدخل في الصف فقد قيل: تصح صلاته، [وقد] (٥) قيل: لا تصح له تلك الركعة،


(١) رواه البخاري (١١٧) في (العلم): باب السَّمر في العلم، وأطرافه كثيرة جدًا، انظرها هناك. ومسلم (٧٦٣) في (صلاة المسافرين): باب الدعاء في صلاة الليل، وقيامه من حديث ابن عباس نفسه.
(٢) رواه البخاري (٧٨٣) في (الأذان): باب إذا ركع دون الصف.
(٣) في (ق): "كما لو أدركه قائمًا".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>