للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بواحد منهم مثلما تأثّر بشيخه ابن تيمية، الذي كان يحل محل ابنه، يوجّهه ويرسم له المناهج القويّة، ويسدي إليه النصائح الرشيدة" (١) وأنه "تشبع بآراء أستاذه الجريئة، واقتنع بمبادئه الإصلاحئة، وتألّم مثله بما كان يشاهده في عصره من انحلالٍ اجتماعي وسياسي، وتناحر مذهبي وطائفي، جعل المسلمين في حال تشتت وفوضى، فانطلق يؤيده في كفاحه الإصلاحي في حياته، ويواصل تحقيق مراميه بعد مماته، وكانت هناك وحدة في الاتجاه، واتفاق في المقاصد والأغراض، فدعا مثل أستاذه إلى التحرر الفكري ونبذ التقليد، وبيَّنَ أن باب الاجتهاد (٢) مفتوح على مصراعيه لكل من وجد فيه الأهلية وتوفرت لديه أدواته، كما دعا إلى الوحدة وجمع الكلمة بالرجوع إلى الكتاب والسنة وتحكيمهما في كل اختلاف واقع بين المذاهب، وبذلك يقع اختيار ما هو الأحسن والأوفق.

اكتسب ابن القيم من شيخه قوة في الجدل وإقامة الحجة، غير أنه كان هادئًا صبورًا في جداله ومعارضاته عل خلاف ما عرفت من حدة وثورة في شيخه، ولعل ذلك يرجع إلى أن ابن تيمية كان زعيم هذه الحركة الإصلاحية وحامل لوائها فاشتد النزاع بينه وبين خصومه مما ألجأ كُلًّا من الطرفين أن يستعمل ما يملك من جهد للإطاحة بالآخر، فلما خلفه ابن القيم كان النزاع قد فترت حدته وخفت وطأته، لأن فكرة الإصلاح وجدت سبيلها إلى الأنفس وحصلت على مناصرين عديدين فصارت تعتمد على الهدوء والاتزان" (٣).


(١) "الاجتهاد والتجديد في الشريع الإسلامي" (٢٩٢).
(٢) لا يوجد باب للاجتهاد، حتى يقال: هو هل مفتوح أم لا؟ بل هناك شروط نصّ عليها العلماء، فمتى توفّرت جاز الاجتهاد، وإلا فلا، مع التنويه على أن الاجتهاد يتجزّأ على أصح الأقوال عند الأصوليين.
(٣) "الاجتهاد والتجديد في التشريع الإسلامي" (٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>