للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن هذه الواو للاستئناف، وليس قبلها ما يصح أن يعطف ما بعدها عليه، كما لو قال: صلِّ عليه وأنا ألتزم ما عليه، [أو وأنا ملتزمٌ ما عليه] (١).

الثالث: أن الحكم لو اختلف لقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: هل ضمنت ذلك في حياته أو بعد موته؟ ولا سيما فإن الظاهر منه الأنشاء، وأدنى الأحوال أن يحتملهما على السواء، فإن كان أحدهما باطلًا في الشرع والآخر صحيحًا فكيف يقرّه على قول مُحتملٍ لحق وباطل ولم يستفصله عن مراده به؟

الرابع: أن القياس يقتضي صحة الضمان وإن لم يخلِّف وفاءً، فإنَّ مَنْ صح ضمان دينه إذا خلَّف وفاءً صح ضمانه وإن لم يكن له مال كالحي، وأيضًا فمن صح ضمان دينه حيًا صح ضمان دينه ميتًا، وأيضًا فإن الضمان لا يُوجِبُ الرجوع، وإنما يوجبُ مطالبةَ رب الدين للضامن، فلا فرق بين أن يخلف الميت وفاءً أو لم يخلفه، وأيضًا فالميت أحْوَجُ إلى ضمان دينه من الحي لحاجته إلى تبريد جلده (٢) ببراءة ذمته وتخليصه من ارتهانه بالدين، وأيضًا فإن ذمة الميت وإن خَرِبَتْ من وجه -وهو تعذر مطالبته- لم تخرب من جهة بقاء الحق فيها، وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس من ميّت يموت إلا وهو مرتَهَنٌ بدينه" (٣) ولا يكون مرتهنًا وقد خربت ذمته.


(١) سقط من (ك) و (ق).
(٢) في (ن) و (ق): "جلدته".
(٣) بهذا اللفظ وجدته مطولًا من حديث علي بن أبي طالب يرويه الدارقطني (٣/ ٤٦ - ٤٧) -ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق" (٧/ ٢٥٧ رقم ١٧٦٠ - ط قلعجي) - والبيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٧٣) من طريق إسماعيل بن عياش عن عطاء بن عجلان عن أبي إسحاق الهمداني عن عاصم بن ضمرة عنه، وفيه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لعلي: جزاك اللَّه خيرًا، فك اللَّه رهانك؛ كما فككت رهان أخيك، إنه ليس من ميت يموت. . . فذكره.
وهذا إسناد ضعيف جدًا، عطاء بن عجلان هذا قال ابن معين والفلّاس: كذاب، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم والنسائي: متروك. وقال البيهقي عقبه: "عطاء بن عجلان ضعيف، والروايات في تحمل أبي قتادة دين الميت أصح".
وروى نحوه أبو يعلى (٣٤٧٧) من طريق يوسف بن عطية الصفار عن ثابت عن أنس مرفوعًا: "أن صاحب الدين مُرْتهن في قبره حتى يُقْضى عنه دَيْنه" قال الهيثمي (٣/ ٣٩ - ٤٠): "وفيه من لم أعرفه".
أقول: بل رجاله معروفون، وقد وقع اسم يوسف هذا دون نِسْبة فلعله لم يتبين من هو، وهو الصفار لأنه يروي عن ثابت، وفي ترجمته في "الميزان" ذكر الذهبي حديثه هذا، قال البخاري: منكر حديث، وقال النسائي: متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال الذهبي: مُجْمَعٌ على ضعفه.
ورواه أبو يعلى (٤٢٤٤) من طريق عيسى بن صدقة بن عباد اليشكري عن أنس فذكر نحوه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>