للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"من الممكن أن ينسى الراوي الحديث، أو لا يحضره وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأول فيه تأويلًا مرجوحًا، يقوم في ظنه ما يعارضه، ولا يكون معارضًا في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه؛ لاعتقاده أنه أعلم منه، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه، ولو قدر انتفاء ذلك كله، ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه، لم يكن الراوي معصومًا، ولم توجب مخالفتُهُ لما رواه سقوطَ عدالَتِهِ حتى تغلب سيئاته حسناته، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك" (١).

وهذا يتمشى مع ما رسمه ابن القيم من منهج له في تقديم نصوص الوحي على غيرها، ومن هذا الباب: تقديم فتوى الصحابي على الحديث المرسل، لضعفه.

والمرسل عنده حجة إذا توفرت فيه شروط، قال: "والمرسل إذا اتصل به عمل، وعضده قياس، أو قول صحابي، أو كان مرسله معروفًا باختيار الشيوخ، ورغبته عن الرواية عن الضعفاء والمتروكين، ونحو ذلك مما يقتضي قوته، عمل به" (٢).

وأما بالنسبة للإجماع، فقد رد كثيرًا من الإجماعات المكذوبة، التي يعطل بعض المنتسبين للفقه بسببها العمل بأحاديث صحيحة خالفتها، وقرر أن الإجماع المعترف بوجوده هو إجماع الصحابة، ولذلك جعله وراء النصوص مباشرة، ومقدمًا على الأحاديث الضعيفة غير الموضوعة (٣)، قال:

"فإن علِمَ المجتهد بما دل عليه القرآن والسنة، أَسْهلُ عليه بكثير من علمه باتفاق الناس في شرق الأرض وغربها على الحكم، وهذا إن لم يكن متعذّرًا فهو أصعب شيء وأشقه، إلا فيما هو من لوازم الإسلام" (٤).


= وقد اعتنى الأستاذ عبد اللَّه بن عويض المطرفي في "حكم الاحتجاج بخبر الواحد إذا عمل الراوي بخلافه" بكلام ابن القيم في كتابنا هذا، قال (ص ١٠)، "وقد ذكر ابن القيم رحمه اللَّه ثلاثًا وعشرين مسألة في مخالفة الراوي لما رواه، وقد استفدتُ منها، وزدت عليها بما وقفت عليه" وانظره (ص ٢٠٣).
(١) "إعلام الموقعين" (٣/ ٤٠٨).
(٢) "زاد المعاد" (١/ ٣٧٩).
(٣) "إعلام الموقعين" (١/ ٥٣ - ٥٤).
(٤) "إعلام الموقعين" (٢/ ٥٥٨) وانظر -لزامًا-: "المدخل إلى مذهب أحمد" لابن بدران (١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>