للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرد على المتوسعين بدعاوى الإجماع، بأنه "ليس عدم العلم بالنزاع علمًا بعدمه، فكيف يقدم عدم العلم على أصل العلم كله (١)؟ ثم كيف يسوغ له ترك الحق المعلوم إلى أمر لا علم له به؟ وغايته أن يكون موهومًا، وأحسن أحواله أن يكون مشكوكًا فيه، متساويًا أو راجحًا" (٢).

ورد بقوة على من زعم اشتراط انقراض عصر المجمعين، وأنه لما "نشأت هذه الطريقة، تولد عنها معارضة النصوص بالإجماع المجهول، وانفتح باب دعواه، وصار من لم يعرف الخلاف من المقلدين إذا احتُجَّ عليه بالقرآن والسنة، قال: هذا خلاف الإجماع! وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام، وعابوا من كل ناحية من ارتكبه، وكذبوا من ادعاه" (٣).

والخلاصة: أن إجماع الصحابة فقط حجة قاطعة، بل هي أقوى الحجج وآكدها (٤)، و"إنما يصار إليه فيما لم يعلم فيه كتابًا ولا سنة، هذا هو الحق" (٥).

ومما ينبغي أن يذكر في هذا الباب: رد ابن القيم بالآثار السلفية الشهيرة على دعوى الإجماع وما عليه السواد الأعظم، حيث جعلوا ذلك عيارًا على السنة، وجعلوا السنة بدعة، لقلّة أهل الحق، وقال عنهم: "قلبوا الحقائق" وذكَّرهم أنه في زمن الإمام أحمد شذ الناس كلهم إلا نفرًا يسيرًا، فكانوا هم الجماعة، وكان القضاة والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشاذُّودن، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة (٦).

والذي جعله يذكر هذا عدم الاغترار بما عليه الناس في مقابل النصوص.

وكذلك مبحثه في (أقوال الصحابة) وحجيّتها، فاجزاء الكتاب جميعًا لا تخلو من هذا الموضوع، وأن القول بالحجيّة راجع إلى إعمال النصوص وتقديمها على الرأي، إذ "أنهم شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وفهموا مقاصد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-" (٧) ولذا فـ "أفهام الصحابة فوق أفهام جميع الأمة، وعلمهم بمقاصد نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- وقواعد دينه وشرعه، أتم من علم كل من جاء بعدهم" (٨) وقد أطال ابن القيم في ذكر الأدلة على حجية أقوالهم، ودعَّم ذلك بست وأربعين وجهًا (٩)،


(١) يريد النصوص الشرعية.
(٢) "إعلام الموقعين" (٢/ ٥٥٨).
(٣) "إعلام الموقعين" (٢/ ٥٥٨).
(٤) "إعلام الموقعين" (٤/ ٩١).
(٥) "إعلام الموقعين" (٢/ ٥٦٠).
(٦) "إعلام الموقعين" (٤/ ٣٨٩).
(٧) "إعلام الموقعين" (١/ ١٤٩ - ١٥٠).
(٨) "الطرق الحكمية" (١٢٢).
(٩) انظر: "إعلام الموقعين" (٤/ ٥٥٦ و ٥/ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>