للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشريعة وأحكامها على مقاصدها وحِكَمِها وأسرارها القائمة على النصوص الشرعية، وعدم الإسراف في القياس. وثمرة ذلك بناء الأحكام على اليقين المنبثق من (تعليل الأحكام)، و (استقراء) المقاصد، والاعتناء بـ (الأشباه والنظائر) و (تتبع الحكم والأسرار) لنصوص الوحيين الشريفين وذلك خير من بنائها على الظن والتخرص المستند إلى القياس (١).

هذا هو عمدة الاجتهاد الذي نادى به ابن القيم، وهو مدار الفقه عنده، والخصوصية التي يتميز بها الفقيه -عنده- هي "الدليل، وقوة الفهم، وجودة الفكر، ووفور العلم، والاستنباط، فلا أثر للكثرة، فالشخص الواحد، قد يكون أكثر تحقيقًا وتدقيقًا وفهمًا من كثيرين" (٢).

وضرب ابن القيم أمثلة عديدة مما اختلف فيه السلف ومن بعدهم، وقد بيّنت النصوص أحكامها، ومع هذا فقد سلك (القياسيون) طريقًا وعرًا، من مثل (المسألة المشتركة في الفرائض) (٣) و (مسألة ميراث البنات) (٤) وكذلك دخول (النباش) في عموم قوله {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨].

ثانيًا: كأني بالمصنف -بناء على ما سبق- يقرر الآفة عند الفقهاء، وهي التوسع في (إِعمال الرأي) مقابل (النصوص) و (فتاوى الصحابة)، ولجوئهم إلى (العقل) دون (النقل)، ذلك "أن الفقيه قد يجد قولًا للسلف في حكم معين، ولكنه لا يهتدي إلى كيفية استخراج ذلك القول من نصوص الكتاب والسنة، فالذي ينبغي لمثل هذا الفقيه هو أن يبحث ويجتهد حتى يتوصل إلى القول الراجح، وإلى كيفية استنباطه من الكتاب والسنة، ثم ضبط الاستنباط بضوابط تعم أفراد النوع الواحد، غير أن بعض الفقهاء إذا وجد مثل تلك الأقوال، ولم يعرف كيف استخرجها الصحابي أو التابعي أو الإمام من النص، فإنه يستسهل أن يزعم بأن القضية لا نص فيها من الكتاب والسنة، وإن الصحابي أو الإمام قال قوله كدليل أو حكم ثالث: هو الرأي أو القياس أو المصلحة!! وكتب المتأخرين والمعاصرين مملوءة بهذا النمط من التخريج، وهو مسلك فاسد جدًّا، يصرف طلبة العلم عن وسائل الاستنباط،


(١) "مقاصد الشريعة عند ابن تيمية" (٥٣٦ - ٥٣٧).
(٢) "فرائد الفوائد في اختلاف القولين لمجتهد واحد" (ص ٤٠) للسلمي الشافعي.
(٣) انظر: "إعلام الموقعين" (٢/ ١٢٧ - ١٣٠).
(٤) انظر في "إعلام الموقعين" (٢/ ١٤٧ - ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>