للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تفوق ابن القيم على غيره في هذا المضمار، وعلى الرغم من تبنِّيه كلام شيخه ابن تيمية فيه، إلا أنه جاء -ولا سيما في كتابنا هذا- بما هو متمم ومكمل له، وقد وسع الكلام عليه. وفصّله في المسائل الفقهية، موظفًا ذلك في خدمة الدليل الشرعي، وقد أفاد وأجاد في ذلك، وأتى بما لم يأتِ به أحد قبله.

يقول بعض الباحثين (١) تحت عنوان (العلماء الذين قالوا: إن الأصل في العادات والعبادات التعليل). وذكر منهم (ابن القيم)، وقال:

- "يؤكد ابن القيم -متبعًا شيخه- على أن اللَّه تعالى عرف عباده عموم جلائل خلقه وأمره دون دقائقها وتفاصيلها، وهذا مطرد في الأشياء أصولها وفروعها، وأما تفاصيل أسرار المأمورات والمنهيات فلا سبيل إلى علم البشر بها، ولكن اللَّه يطلع من شاء من خلقه على ما شاء منها (٢). فهذا "أمر يضيق الجنان عن معرفة تفاصيله، ويحصر اللسان عن التعبير عنه" (٣) قال رحمه اللَّه: "الحق أن جميع أفعاله وشرعه سبحانه لها حكم وغايات لأجلها شرع وفعل، وإن لم يعلمها الخلق على التفصيل، فلا يلزم من عدم علمهم بها انتفاؤها في نفسها" (٤).

ويرى رحمه اللَّه أنه ليس في الشريعة حكم واحد إلا وله معنى وحكمة يعقله من عقله، ويخفى على من خفي عليه (٥). ويرى -كما يرى شيخه (٦) - أنه ليس في الشريعة ما يخالف القياس، فمن رأى شيئًا من الشريعة مخالفًا للقياس، فإنما هو مخالف للقياس الذي انعقد في نفسه، ليس مخالفًا للقياس الصحيح الثابت في نفس الأمر (٧).

وفي معرض رده على الذين لا يعللون تقديرات العقوبات يقول: "إن من شرع هذه العقوبات ورتبها على أسبابها جنسًا وقدرًا فهو عالم الغيب والشهادة، وأحكم الحاكمين، وأحاط علمه بوجوه المصالح دقيقها وجليلها وخفيها وظاهرها، ما يمكن اطلاع البشر عليه وما لا يمكنهم، وليست هذه التخصيصات والتقديرات خارجة عن وجوه الحكم والغايات المحمودة، كما أن التخصيصات والتقديرات


(١) هو الدكتور يوسف البدوي في كتابه "مقاصد الشريعة عند ابن تيمية" (ص ١٧٦ - ١٨٠) والمنقول بتصرف.
(٢) "مفتاح دار السعادة" (٣٢٨، ٤٣٤).
(٣) "شفاء العليل" (٧٨ - ٧٩).
(٤) "شفاء العليل" (٣٩٥، ٤٥١، ٥٠١).
(٥) "إعلام الموقعين" (٢/ ٢٩٤).
(٦) انظر "مجموع فتاوى ابن تيمية" (٢٠/ ٥٠٥).
(٧) "إعلام الموقعين" (٢/ ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>