للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواقعة في خلقه كذلك، فهذا في خلقه وذاك في أمره، ومصدرهما جميعًا عن كمال علمه وحكمته ووضعه كل شيء في موضعه الذي لا يليق به سواه ولا يتقاضى إلا إياه، وإذا كان سبحانه قد أتقن خلقه غاية الإتقان، وأحكمه غاية الإحكام، فلأن يكون أمره في غاية الإتقان والإِحكام أولى وأحرى. ومن لم يعرف ذلك مفصلًا لم يسعه أن ينكره مجملًا، ولا يكون جهله بحكمة اللَّه في خلقه وأمره وإتقانه كذلك وصدوره عن محض العلم والحكمة مسوغًا له إنكاره في نفس الأمر" (١).

ولقد خصص ابن القيم كثيرًا من كتبه لبيان حكم اللَّه ومقاصده في أفعاله وأحكامه سبحانه مثل: كتابنا هذا، و"مفتاح دار السعادة"، و"شفاء العليل". ولقد ذكر عللًا كثيرة لكثير من أحكام الشريعة، ففي الطهارة والصلاة ذكر حكمًا عديدة لقراءة سورة الفاتحة في الصلاة، وطهارة الأعضاء والثياب والمكان، وأخذ الزينة، واستقبال القبلة، ثم حكم هيئات الصلاة من الركوع والقيام منه ثم السجدتين والجلوس بينهما والجلوس للتشهد والترتيب بين هذه الأركان، كما أنه أفاض في ذكر حكم غسل أعضاء الوضوء والاغتسال (٢). وبين الحكمة في التفريق بين صلاة الليل وصلاة النهار (٣). وفي الصوم والزكاة والحج وفيما يتعلق بها من أوقات وأماكن ومقادير بين حكم الشريعة ومحاسنها فيها، إلى غير ذلك من المعاملات وأحكام الأسرة والعقوبات (٤).

كل ذلك قوى ظني وشد أزره بأن المراد من كلام الشاطبي الآتي هو ابن القيم -مما يثبت اطلاعه على كتب ابن القيم وابن تيمية واستفادته منهما، حيث يقول الشاطبي: "الحِكَم المستخرجة لما لا يعقل معناه على الخصوص في التعبدات، كاختصاص الوضوء بالأعضاء المخصوصة، والصلاة بتلك الهيئة من رفع اليدين والقيام والركوع والسجود، وكونها على بعض الهيئات دون بعض، واختصاص الصيام بالنهار دون الليل، وتعيين أوقات الصلوات في تلك الأحيان المعينة دون ما سواها من أحيان الليل والنهار، واختصاص الحج بالأعمال المعلومة، وفي الأماكن المعروفة، وإلى مسجد مخصوص، إلى أشباه ذلك مما لا تهتدي العقول إليه بوجه، ولا تطور (٥) نحوه، فيأتي بعض الناس فَيُطرِّق إليه حِكَمًا


(١) "إعلام الموقعين" (٢/ ٣٤٨، ٢/ ١٢٠).
(٢) "شفاء العليل" (٤٧٨ - ٤٨٥).
(٣) "إعلام الموقعين" (٢/ ٣٦٩).
(٤) "مفتاح دار السعادة" (٣٢٨ - ٣٣٢).
(٥) أي: تحوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>