للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكلف ولا وكس ولا شطط، ومن واظب عليها دراسة ودراية وقراءةً وبحثًا وتنقيبًا وحفظًا وفهمًا، وقرأها على من هو أعلم منه، حصل على خير كثير" (١) ولا سيما أن "الحاجة إلى معرفة أسرار الشريعة الإسلامية صار أمرًا ضروريًا، لا سيما في هذا الزمن الذي كثر فيه أعداء اللَّه، حيث تحركت الأقلام القذرة والأيادي الملطخة بالكفر والزندقة لتشكك المسلم في دينه وعقيدته ليبقى في شراك الشك والحيرة يصطلي بنار الضلال ولا يبصر أمامه إلا سرمديًا.

وهذا -أعني التشكيك- منهج قديم ومسار تليد لكنه نما وازداد في هذه الآونة الأخيرة، وصار تخصصًا يتفنن فيه أساتذته وطلابه، بتنويع الشبه وتزيين الاعتراض وعدم القبول وتقبيح الانقياد والخضوع بلا اقتناع" (٢).

وعلى الرغم من عناية ابن القيم المتميزة في كتابنا هذا بأسرار الشريعة (٣) إلا أنه ليس خاصًا بها، وهنالك كلمة للمصنف ظفرتُ بها في "بدائع الفوائد" (٢/ ١٧٩)، تدلل على أهمية هذا العلم عند المصنف، وفيها عزمه على إفراده بالتصنيف، قال رحمه اللَّه:

"ومن فهم هذا انفتح له باب عظيم من أبواب العلم والإيمان، بل باب من أبواب الجنة العاجلة، يرقص القلب فيه طربًا ويتمنى أن له الدنيا وما فيها، وعسى اللَّه أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده، فيساعد على تعليق كتاب يتضمن ذكر بعض محاسن الشريعة وما فيها من الحكم البالغة والأسرار الباهرة، التي هي من أكبر الشواهد على كمال علم الرب تعالى وحكمته ورحمته وبره بعباده ولطفه بهم، وما اشتملت عليه من بيان مصالح الدارين والإرشاد إليها، وبيان مفاسد الدارين والنهي عنها، وأنه سبحانه لم يرحمهم في الدنيا برحمة، ولم يحسن إليهم إحسانًا أعظم من إحسانه إليهم بهذا الدين القيم وهذه الشريعة الكاملة".

ومن الجدير بالذكر أن العناية بهذا اللون من التصنيف بقيت قاصرة (٤)، على


(١) من مقدمة الشيخ إبراهيم الجطيلي لكتاب "أسرار الشريعة" (ص ٧ - ٨) بتصرف.
(٢) "أسرار الشريعة" (ص ١٠).
(٣) قال محمد رشيد رضا في "المنار" (مجلد ١٢، عدد شوال، ١٣٢٧ هـ ص ٧٨٦): "لم يؤلف مثله أحد من المسلمين في حكمة التشريع. . . ".
(٤) لا تنسى في هذا المقام جهود ثلة من العلماء، من أبرزهم:
* محمد بن عبد الرحمن البخاري (ت ٥٤٦ هـ) في كتابه: "محاسن الإسلام وشرائع الإسلام" وهو مطبوع.
* علي بن أحمد الجرجاوي الأثري الحنبلي (ت ١٣٣١ هـ) في كتابه: (حكمة التشريع =

<<  <  ج: ص:  >  >>