للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأخذ بعنق الظالم فاحتال لها صاحب الدُّرَّة إذ صيَّرها [في قصبة] (١) ثم دفع القصبة إلى خصمه وتقدم إلى السلسلة ليأخذها فرُفِعت (٢).

وقال بعض الأئمة: في هذه القصة (٣) مزجرة عظيمة للمتعاطين الحيل على المَنَاهي الشرعية ممن تَلَبَّسَ بعلم الفقه وليس بفقيه؛ إذ الفقيه مَنْ يخشى اللَّه عز وجل في الربويّات، واستعارة التيس الملعون لتحليل المطلَّقات، وغير ذلك من العظائم والمصايب الفاضحات، التي لو اعتمدها مخلوق مع مخلوق لكان في نهاية القبح، فكيف بمن يعلم السر وأخفى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (٤)؟

وقال: وإذا وازَنَ اللبيبُ بين حيلة أصحاب السبت والحيل التي يتعاطاها أرباب الحيل في كثير من الأبواب ظَهَر له التفاوت ومراتب المفسدة التي بَيْنها وبين هذه الحيل، فإذا عرف قدر الشرع وعظمة الشارع وحكمته وما اشتمل عليه شرعه من رعاية مصالح العباد تبيّنَ له حقيقة الحال، وقطع بأن اللَّه تعالى يتنزه ويتعالى أن يسوغ (٥) لعباده نقض شرعه وحكمته بأنواع الخداع والاحتيال (٦).


(١) في جميع النسخ: "بالقصبة": والمثبت من (ق) و (ك).
(٢) نقل كلام الجوزجاني: ابن تيمية في "بيان الدليل" (ص ٧٢).
وذكر خبر السلسلة أُسامة بن منقذ في كتابه "العصا" (١/ ١٩٥ - ١٩٦، ضمن "نوادر المخطوطات") قال: "زرت المقدس في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة، وكان معي من أهله من يعرِّفني المواضع التي يصلَّى فيها ويتبرك بها!! فدخل بي إلى بيت جانب قبَّة الصخرة فيه قناديلُ وستور، فقال لي: هذا بيت السلسلة. فاستخبرته عن السلسلة فقال لي: هذا بيتٌ كانت فيه على عهد بني إسرائيل سلسلة إذا كان بين اثنين من بني إسرائيل محاكمة ووجبت اليمينُ على أحدِهما دخلا هذا البيت، فوقفا تحت السلسلة، واستُحلِف المُدَّعَى عليه، ثم يمد يده فإن كان صادقًا أمسك السلسلة، وان كان كاذبًا طالت عن يده فلا يصل إليها. فأودَعَ رَجُلٌ من بني إسرائيل جوهرًا عند رجل، ثم طلبه منه فقال: أعطيتك إياه. فقال: تحاكمني إلى السلسلة، فمضى المستودع فأخذ عصًا فشقها وحفر فيها للجوهر وتركه فيها، ثم ألصقها عليه ودهنها، أخذها في يده ودخل مع خصمه بيت السلسلة فقال للخصم: أمسِك عني هذه العصا. فَمَسَكَها ثم حلف له أنه سلّم الجَوهرة إليه ومدَّ يده فأمسك السلسلة ثم عاد أخذ العصا وخَرَجا، فارتفعت السلسلة من ذلك اليوم. ولم أر هذا الحديث مسطورًا، وإنما أوردته كما سمعته". قلت رأيته مسندًا من خبر وهب عند ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (١٧/ ١٠٣) ومن كلا علي عند ابن العديم في "بغية الطلب" (٧/ ٣٤١٠). وهو في "البداية والنهاية" (٢/ ٢١ - ٢٢)، و"أداب القضاء" للسروجي (١٠٦ - ١٠٧)، و"شرح أداب القاضي" (١/ ٣٧٣ - ٣٧٥) للصدر الشهيد.
(٣) في (ق): "الآية".
(٤) قارن بـ "بيان الدليل" (ص ٧٢).
(٥) كذا في (ن) و (ك) و (ق) وفي سائر النسخ: "يشرع".
(٦) قارن بـ "بيان الدليل" (ص ٧٦ - ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>