للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علَّمكم نبيكم كلَّ شيء حتى الخِرَاءَة، فقال: أجل (١)؟ فأين علَّمهم الحيل والمخادعة والمكر وأرشدهم إليه ودلهم عليه؟ كلا واللَّه! بل حَذَّرهم (٢) أشد التحذير، وأوعدهم عليه أشد الوعيد، وجعله منافيًا للإيمان، وأخبر عن لعنة اليهود لما ارتكبوه، وقال لأمَّته: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم اللَّه تعالى بأدنى الحيل" (٣)، وأغلق أبواب المكر والاحتيال، وسَدّ الذرائع، وفصل الحلال من الحرام، وبَيَّنَ الحدودَ، وقسم شريعته إلى حلال بَيِّن وحرام بَيِّن وبَرْزَخ بينهما، فأباح الأول، وحرم الثاني، وحض الأمة على اتقاء الثالث خشية الوقوع في الحرام (٤)، وقد أخبر اللَّه تعالى عن عقوبة المحتالين على حِلِّ ما حرَّمه عليهم وإسقاط ما فرضه (٥) عليهم في غير موضع من كتابه.

قال أبو بكر الآجري (٦)، وقد ذكر بعض الحيل الربوية التي يفعلها [بعض] (٧) الناس: لقد مسخ اليهود قِرَدَة بدون هذا. وصدق واللَّه لآكِلُ حوتٍ صِيدَ يوم السبت أهونُ عند اللَّه وأقل جرمًا من آكل الربا الذي حرمه اللَّه بالحيل والمخادعة! ولكن كما قال الحسن: عُجِّل لأولئك عقوبة تلك الأكْلَة الوخيمة وأرجِئَت عقوبة هؤلاء (٨).

وقال الإمام أبو يعقوب الجُوْزجَاني: وهل أصاب الطائفة من بني إسرائيل المسخُ إِلا باحتيالهم على أمر اللَّه بأن حفروا الحفائر (٩) على الحيتان في يوم سبتهم فمنعوها الانتشار يومها إلى الأحد فأخذوها؟ وكذلك السلسلة التي كانت


(١) أخرجه مسلم في "الصحيح" (كتاب الطهارة): باب الاستطابة (/ ٢٢٣/ ٢٦٢).
(٢) في (ق): "حذرهموه".
(٣) سبق تخريجه.
(٤) يشير إلى حديث النعمان بن بشير: "الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات. . . ".
"أخرجه البخاري (٥٢) في (الإيمان): باب فضل من استبرأ لدينه، و (٢٠٥١) في (البيوع): باب الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما مشتبهات، ومسلم (١٥٩٩) في (المساقاة): باب أخذ الحلال وترك الشبهات.
(٥) في (ق): "فرض".
(٦) لعل هذا النقل من كتاب "الشبهات" للآجري ذكره له ابن خير في "فهرسته" (٦/ ٩٧) وهو في عداد المفقود، ثم رأيتُ هذا النقل عن الآجري في "بيان الدليل" (ص ٧١ - ٧٢) لشيخ المصنف ابن تيمية.
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٨) رواه ابن جرير (١٣/ ١٩٦ - ١٩٧، ١٩٧ - ١٩٨ رقم ١٥٢٨٤، ١٥٢٨٥)، وابن أبي حاتم (٥/ ١٥٩٩ رقم ٨٤٥٠) كلاهما في "التفسير"، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ، كما في "الدر المنثور" (٣/ ٥٩١).
(٩) في (ن) و (ق): "حظروا الحضائر".

<<  <  ج: ص:  >  >>