للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطلقة (١) الموصوفة بالقَبْلية في الزمن الماضي ولا تقدمها على الإيقاع، وإنما فيه إيقاع طلقتين إحداهما قبل الأخرى؛ فمن ضرورة قوله: "قبلها طلقة" إيقاعُ هذه السابقة أولًا ثم إيقاع الثانية بعدها؛ فالطلقتان إنما وقعتا بقوله: "أنت طالق" لم تتقدم إحداهما على زمن الإيقاع، وإن تقدمت على الأخرى تقديرًا، فأين هذا من التعليق المستحيل؟ فإن أبيتم وقلتم: قد وصل (٢) الطلقة المنجّزة بتقدّم مثلها عليها، والسبب هو قوله: أنت طالق؛ فقد تقدم وقوع الطلقة المعلَّقة بالقَبْلية على المنجزة، ولما كان هذا نكاحًا صح، وهكذا قوله: "إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبلها ثلاثًا" أكثَرُ ما فيه تقدم الطلاقِ السابق على المنجز، ولكن المحل لا يحتملهما؛ فتدافعا وبقيت الزوجية بحالها، ولهذا لو قال: "إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قَبْله واحدة" صح لاحتمال المحل لهما.

فالجواب أنه أوقع طلقتين واحدة قبل واحدة، ولم تسبق إحداهما إيقاعه، ولم يتقدم شرط الإيقاع؛ فلا محذور، وهو كما لو قال: "بعدها طلقة، أو معها طلقة" وكأنه قال: "أنت طالق طلقتين معًا، أو واحدة (٣) بعد واحدة" ويلزم من تأخر واحدة (٤) عن الأخرى سبق إحداهما للأخرى، فلا إحالة، أما وقوع طلقة مسبوقة بثلاث فهو محال وقَصْدُه باطل، والتعبير عنه إن كان خبرًا فهو كذبٌ، وإن كان إنشاءً فهو منكرٌ؛ فالتكلّمُ به منكرٌ من القول وزور (٥) في إخباره، منكر في إنشائه، وأما كون المعلق تمام الثلاث فههنا لمنازعيكم قولان تقدم حكايتهما وهما وجهان في مذهب أحمد (٦) والشافعي رضي اللَّه عنهما (٧):

أحدهما: يصح هذا التعليق ويقع المنجز والمعلق، وتصير المسألة على وزان ما نص عليه الشافعي من قوله: "إذا مات زيد فأنت طالق قبله بشهر" فمات بعد شهر، فهكذا إذا قال: "إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله واحدة" ثم مضى زمن تمكن فيه القَبْلية ثم طلقها تبينَّا وقوع المعلق في ذلك الزمان وهو متأخر عن الإيقاع؛ فكأنه قال: "أنت طالق في الوقت السابق على تنجيز الطلاق أو وقوعه معلقًا" فهو تطليق في زمن متأخر.


(١) في (ق): "للطلقة".
(٢) في (ك) و (ق): "وصف".
(٣) في (ك) و (ق): "وواحدة".
(٤) في (د): "واحدًا".
(٥) في (ق): "وزور زور".
(٦) "المغني" (٧/ ١٦٤)،"كشاف القناع" (٥/ ٣٣٣).
(٧) انظر ما مضى قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>