للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منهم إلا عبد اللَّه بن مسعود (١)، وليس احتجاجهم عنه في شدة النبيذ بشيء يصح عنه، إنما يصح عنه أنه لم ينتبذ له في الجرِّ (٢) الأخضر، قال ابن المبارك فقلت للمحتج عنه في الرخصة: يا أحمقٌ عُدَّ (٣) أن ابن مسعود لو كان هاهنا جالسًا فقال: هو لك حلال، وما وصفنا عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه في الشدة كان ينبغي لك أن تحذر وتخشى، فقال قائل (٤): يا أبا عبد الرحمن فالنخعي والشعبي -وسَمَّى عدة معهما- كانوا يشربون الحرام (٥)؟ فقلت [لهم] (٦): دعوا عند المناظرة تسميه الرجال، فربّ رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا، وعسى أن تكون منه زَلَّة، أفيجوز لأحد أن يَحتجَّ بها؟ فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة؟ قالوا: كانوا خيارًا، قلت: فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدًا بيد؟ قالوا: حرام، فقلت: إن هؤلاء رأوه حلالًا، أفماتوا وهم ياكلون الحرام؟ فبُهتوا وانقطعت حجتهم (٧). قال ابن المبارك: "ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان قال: رآني أبي وأنا أُنشد الشِّعرَ، فقال: يا بنيَّ لا تنشد الشعر، فقلت: يا أبت كان الحسن ينشد الشعر، وكان ابن سيرين ينشد، فقال: أي بُنَيَّ إن أخذت بشرِّ ما في الحسن وبشرِّ ما في ابن سيرين اجتمع فيك الشَّرُّ كلُّه! " (٨).

قال شيخ الإسلام: "وهذا الذي ذكره (٩) ابن المبارك متَّفقٌ عليه بين العلماء، فإنه ما من أحد من أعيان الأئمة من (١٠) السابقين الأولين ومَنْ بعدهم إلا وله


(١) انظر ما ورد عنه في "الأشربة" لابن قتيبة (ص ٢١ - ٢٢ ط محمد كردعلي).
(٢) "جمع جَرَّة، وهو الإناء المعروف من الفخار" (و).
(٣) بضم أوله، وتشديد ثانيه، أي: هب أن ابن مسعود.
(٤) في (ن) و (ك) و (ق): "فقال قائلهم".
(٥) في (و): "حرام"! وقال (د)، و (ط): "في نسخة: يشربون الخمر".
(٦) سقط من (ك).
(٧) أسند هذه المناظرة باختصار البيهقي (٨/ ٢٩٨ - ٢٩٩)، ونقلها المصنف عن ابن تيمية في "بيان الدليل" (٢٠٣ - ٢٠٤)، وعنه أيضًا الشاطبي في "الموافقات" (٥/ ١٣٧ - ١٣٨ - بتحقيقي).
(٨) أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (١٧٦٦، ١٧٦٧) بإسناد صحيح، ونقل الشاطبي في "الموافقات" (٥/ ١٣٤ - بتحقيقي) عن ابن تيمية في "بيان الدليل" (٢٠٤) هذه القطعة.
(٩) في (ق): "قاله".
(١٠) في "بيان الدليل": "أعيان الأمة"، وسقط من (ق): "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>