للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر في (الفائدة الحادية والستين) أن على المفتي أن يكون كثير الدعاء، وذكر أدعية كان يقولها جماعة من السلف، ومن ذلك قوله: "وكان بعضهم يقرأ الفاتحة، وجربنا نحن ذلك فرأيناه من أقوى أسباب الإصابة" (١) ثم قال: "والمعوَّل في ذلك كله على حسن النية، وخلوص القصد، وصدق التوجه في الاستمداد من المعلم الأول، معلم الرسل والأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم، فإنه لا يردُّ من صدق في التوجُّه إليه، لتبليغ دينه، وإرشاد عبيده، ونصيحتهم، والتخلص من القول عليه بلا علم، فإذا صدقت نيته ورغبته في ذلك لم يعدم أجرًا، إن فاته أجران، واللَّه المستعان" (٢).

وظهرت هذه السمة على وجه واضح عندما وجّه خطابه للمقصّرين والعصاة، فقال مخوّفًا (أهل الحيل) من اللَّه، فذكَّرهم بيوم الدين:

"فحقيق بمن اتّقى اللَّه وخاف نكاله أن يحذر استحلال محارم اللَّه بأنواع الحيل والاحتيال، وأن يعلم أنّه لا يخلصه من اللَّه ما أظهره مكرًا وخديعة من الأقوال والأفعال، وأنّ للَّه يومًا تكع فيه الرّجال، وتنسف فيه الجبال، وتترادف فيه الأهوال، وتشهد فيه الجوارح والأوصال، وتبلى فيه السّرائر، وتظهر فيه الضّمائر، ويصير الباطن فيه ظاهرًا، والسّر علانية، والمستور مكشوفًا، والمجهول معروفًا، ويحصّل ويبدو ما في الصدور، كما يبعثر ويخرج ما في القبور، وتجرى أحكام الربّ -تعالى- هناك على القصود والنيّات، كما جرت أحكامه في هذه الدار على ظواهر الأقوال والحركات، يوم تبيضّ وجوه بما في قلوب أصحابها من النّصيحة للَّه ورسوله وكتابه، وما فيها من البّرّ والصدق والإخلاص للكبير المتعال، وتسودّ وجوه بما في قلوب أصحابها من الخديعة والكذب والمكر والاحتيال، هناك يعلم المخادعون أنّهم لأنفسهم كانوا يخدعون، وبدينهم كانوا يلعبون، وما يمكرون إلّا بأنفسهم وما يشعرون" (٣).

ويقول مخوّفًا من يكفّر أو يجهّل العلماء من يفتي في مسألة (اليمين بالطلاق):

"فكيف يحلّ لمن يؤمن بأنه موقوف بين يدي اللَّه ومسؤول أنْ يكفِّر أو يجهّل من يفتي بهذه المسألة ويسعى في قتله وحبسه. . . " (٤).


(١) "إعلام الموقعين" (٥/ ١٩٨).
(٢) "إعلام الموقعين" (٥/ ١٩٨).
(٣) "إعلام الموقعين" (٤/ ٧٤).
(٤) "إعلام الموقعين" (٣/ ٤٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>