للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول في مسألة عدم تحنيث المتأوِّل:

"فلا يحلّ لأحد أن يفرّق بين رجل وامرأته لأمر يخالف مذهبه وقوله الّذي قلّد فيه بغير حجّة، فإذا كان الرّجل قد تأوّل وققد من أفتاه بعدم الحنث فلا يحلّ له أن يحكم عليه بأنّه حانث في حكم اللَّه ورسوله ولم يتعمّد الحنث، بل هذه فرية على اللَّه ورسوله وعلى الحالف؛ وإذا وصل الهوى إلى هذا الحدّ فصاحبه تحت الدّرك، وله مقام وأي مقام بين يدي اللَّه يوم لا ينفعه شيخه ولا مذهبه ومن قلّده، واللَّه المستعان" (١).

ويخوف من يفتي بخلاف ما تبرهن عنده من حق نصرةً لمذهبه، فقال: "ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي اللَّه -سبحانه- أن يفتي السّائل بمذهبه الّذي يقلّده، وهو يعلم أنّ مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه وأصح دليلًا. . . " (٢).

وقال أيضًا محذرًا إياه:

"يجب عليه الإفتاء بما هو راجح عنده وأقرب إلى الكتاب والسّنة من مذهب إمامه أو مذهب من خالفه، لا يسعه غير ذلك، فإن لم يتمكّن منه وخاف أن يؤدّي إلى ترك الإفتاء في تلك المسألة لم يكن له أن يفتي بما لا يعلم أنّه صواب؛ فكيف بما يغلب عى ظنّه أن الصّواب في خلافه ولا يسع الحاكم والمفتي غير هذا ألبتّة، فإنّ اللَّه سائلهما عن رسوله وما جاء به، لا عن الإمام المعين وما قاله، وإنما يسأل النّاس في قبورهم ويوم معادهم عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيقال له في قبره: ما كنت تقول في هذا الرّجل الذي بُعث فيكم؟ {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥)} [القصص: ٦٥] ولا يسأل أحد قطّ عن إمام ولا شيخ ولا متبوع غيره، بل يسأل عمن اتّبعه وائتمّ به غيره، فلينظر بماذا يجيب؟ وليعدّ للجواب صوابًا" (٣).

وقال في موطن آخر:

"وعلى كلِّ حال فلا عذر عند اللَّه يوم القيامة لمن بلغه ما في المسألة من هذا الباب وغيره من الأحاديث والآثار التي لا معارض لها إذا نبذها وراء ظهره، وقلّد من نهاه عن تقليده، وقال له لا يحلّ لك أن تقول بقولي إذا خالفَ السّنة،


(١) "إعلام الموقعين" (٤/ ٥١١).
(٢) "إعلام الموقعين" (٥/ ٧٤).
(٣) "إعلام الموقعين" (٥/ ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>