للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى، وكذلك في الحكم إن قامت بينة بأنهما تواطئَا على ذلك وأنه إنما وهبه إياه بشرط أن يقفه (١) عليه أو أقرَّ له بذلك.

فإن قيل: فهل عندكم أحسن من هذه الحيلة؟

قيل: نعم، أن يقفه على الجهات التي يريد، ويستثني غلَّته ومنفعته لنفسه مدة حياته أو مدة معلومة، وهذا جائز بالسنة الصحيحة والقياس الصحيحَ، وهو مذهب فقهاء أهل الحديث؛ فإنهم يجوِّزون أن يبيع الرجل الشيء أو يهبه أو يعتق العبد ويستثني بعض منفعة ذلك مدة. ويجوزون أن يقف الشيء على غيره ويستثني بعض منفعته مدة معلومة أو إلى حين موته (٢). ويستدلون بحديث جابر (٣)، وبحديث عتقِ (٤) أمِ سلمة سفينةَ (٥)، وبحديث عتق صفيَّة (٦)، وبآثار صحاح كثيرة عن الصحابة رضي اللَّه عنهم لم يُعلم فيهم مَنْ خالفها، ولهذا القول قوَّة في القياس.

فإن قيل: فلو عدل إلى الحيلة الأولى فما حكمها في نفس الأمر؟ وما حكم الموقوف عليه إذا علم بالحال، هل يطيب له تناول الوقف أم لا؟

قيل: لا يمنع ذلك صحة الوقف ونفوذه، ويطيب للموقوف عليه تناولُ


(١) في (ن): "نفقته".
(٢) انظر: "بدائع الفوائد" (٤/ ٤).
(٣) هو حديث شراء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لبعير جابر، وقد تقدم تخريجه.
(٤) في (ك): "عتيق".
(٥) رواه أحمد (٥/ ٢٢١)، وأبو داود (٣٩٣٢) في "العتق": باب في العتق على الشرط، والنسائي في "الكبرى" (٤٩٩٥ و ٤٩٩٦ و ٤٩٩٧) في "العتق": باب ذكر العتق على الشرط، وعزاه في "التحفة" (٤/ ٢٢١) له في الشروط، وابن ماجه (٢٥٢٦) في "العتق": باب من أعتق عبدًا واشترط خدمته، وابن الجارود (٩٧٦)، والطبراني في "الكبير" (٦٤٤٧)، وابن قانع في "معجم الصحابة" (٦/ ٢١٣٤ رقم ٦١٢)، والحاكم (٢/ ٢١٣ - ٢١٤ و ٣/ ٦٠٦)، والبيهقي (١٠/ ٢٩١) من طرق عن سعيد بن جُمهان عن سفينة مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كنت مملوكًا لأم سلمة فقالت: أعتقك وأشرط عليك أن تخدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-".
قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٩/ ٣٦٦): "رجال أحمد والطبراني ثقات".
أقول: سعيد بن جُمهان، وثقه ابن معين، وأبو داود، وأحمد، وتكلَّم فيه أبو حاتم والبخاري وقال ابن معين: يروي عن سفينة أحاديث لا يرويها غيره، وأرجو أنه لا بأس به.
وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق له أفراد"، فمثله حسن إن شاء اللَّه تعالى.
(٦) سبق تخريجه، وفي (ك): "عتيق".

<<  <  ج: ص:  >  >>