للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتقد جواز هذا الوقف، ومن اعتقد بطلانه وبطلان الحيل المُفْضِية إلى الباطل فإنه عنده يكون منقطع الابتداء، وفيه من الخلاف ما هو مشهور، فَمَنْ أبطله رأى أن الطبقة الثانية ومَنْ بعدها تبع للأولى (١)، فإذا لم يصح في المتبوع ففي التابع أولى أن لا يصح، ولأن الواقف لم يَرْضَ أن تصير الثانية (٢) إلا بعد الأولى، فلا يجوز أن يُلزم بما لم يَرضَ به، إذ لا بد في صحَّة التصرف من رضا المتصرف ومُوَافقة الشرع؛ فعلى هذا هو باقٍ على ملك الواقف، فإذا مات فهل يصح الوقف حينئذ؟ يحتمل وجهين، ويكون مأخذهما [أن] (٣) ذلك كما لو قال: "هو وقف بعد موتي" فيصح، أو أنه وقْفٌ معلّق على شرط، وفيه وجهان: فإن قيل بصحته كان من الثُلثِ وفي الزائد يقف على إجازة الورثة، وإن قيل ببطلانه كان ميراثًا، ومَنْ رأى صحته قال: قد أمكن تصحيح تصرف العاقل الرشيد بأن يصحح الوقف ويصرفه في الحال إلى جهته (٤) التي يصح الوقف عليها، وتلغى الجهة التي لا يصح فتجعل كالمعدومة. وقيل على هذا القول: بل تصرف مصرفَ الوقفِ المنقطع، فإذا مات الواقف صرف مصرف الجهة الصحيحة.

فإن قيل: فما تقولون لو سلك حيلة غير هذا كله، وأسهل منه وأقرب؟ وهي أن يقرَّ أن ما في يده من العقار وقف عليه انتقل إليه من جائز الملك جائز الوقف، ثم بعده على كذا وكذا، فما حكم هذه الحيلة في الباطن وحكم مَنْ علم بها من الموقوف عليهم؟

قيل: هذه الحيلة إنما قَصَدَ المتكلم بها إنشاءَ الوقف، وإن أظهر أنه قصد بها الإخبار، فهي إنشاءٌ في الباطن إخبارٌ في الظاهر، فهي كمن أقر بطلاق أو عتاق ينوي به الإنشاء، والوقف ينعقد بالصريح وبالكناية مع النية [وبالفعل مع النية] (٥) عند الأكثرين، وإذا كان مقصودُه الوقف على نفسه وتكلم بقوله: "هذا وقف عليّ" وميّزه بفعله عن ملكه صار وقفًا، فإن الإقرار يصح أن يكون كنايةً عن الإنشاء مع النية، فإذا قصده به صح كما أن لفظ الإنشاء يجوز أن يقصد به الإخبار، وإذا أراد به الإخبار دُيِّنَ، فكل من الأمرين صالح لاستعماله في الآخر، فقد يقصد بالإقرار الإخبار عما مضى، وقد يقصد به الإنشاء، وإنما ذكر بصيغة الإخبار لغرض من الأغراض.


(١) في (ك): "مع الأولى".
(٢) في (ق): "يصير إلى الثانية".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٤) في (ق) و (ك): "الجهة".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>