للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولكم: "إنه من المعلوم قطعًا أن اللَّه قد شاء تكلمه بالطلاق، فقوله بعد ذلك: إن شاء اللَّه تحقيقٌ لما علم أن اللَّه قد شاءه"، فقد (١) تقدم جوابه، وهو أن اللَّه إنما شاء الطلاق المعلّق، فمن أين لكم أنه شاء المنجز؟ ولم تذكروا عليه دليلًا.

وقولكم: "إنه بمنزلة قوله: أنت طالق إن كان اللَّه أذن في الطلاق أو أباحه (٢)، ولا فرق بينهما" فما أَعْظَم الفرق بينهما وبينه حقيقة ولغة، وذلك ظاهر عن تكلف بيانه؛ فإن بيان الواضحات نوع من العي، بل نظير ذلك أن يقول: أنت طالق إن كان اللَّه قد شاء تلفظي بهذا اللفظ؛ فهذا يقع قطعًا.

وأما قولكم: "إن الكفارة أقوى من الاستثناء؛ لأنها ترفع حكم اليمين، والاستثناء (٣) يمنع عقدها وإذا لم تدخل الكفارة في الطلاق والعتاق، فالاستثناء أولى" فما أوْهَنَهَا (٤) من شبهة، وهي عند التحقيق لا شيء؛ فإن الطلاق والعتاق إذا وقعا لم تؤثِّر فيهما الكفارة شيئًا ولا يمكن حلَّهما بالكفارة، بخلاف اليمين (٥) فإن حلها بالكفارة ممكن، وهذا تشريع شَرَعه شارع الأحكام هكذا فلا يمكن تغييره، فالطلاق والعتاق لا يقبل الكفارة، كما (٦) لم تقبلها سائر العقود، كالوقف، والبيع، والهبة، والإجارة، والخُلع، الكفارة مختصة بالأيْمان، وهي من أحكامها التي لا تكون لغيرها وأما الاستثناء فيشرع في أعم من اليمين كالوعد والوعيد، والخبر عن المستقبل، كقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وإنا إنْ شاء اللَّه بكم لا حقون" (٧)، وقوله عن أبيّ بن خَلَف: "بل أنا أقتله إن شاء اللَّه" (٨).


(١) في (ق) و (ك): "قد".
(٢) في (ق): "وأباحه".
(٣) في (ك): "واستثناءه".
(٤) في (ق) و (ك): "فما أدهشها".
(٥) في المطبوع و (ك): "الأيمان".
(٦) في (ق): "وكما".
(٧) رواه مسلم (٢٤٩) في (الطهارة): باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، من حديث أبي هريرة.
ورواه مسلم (٩٧٤) في (الجنائز): باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، من حديث عائشة.
ورواه مسلم (٩٧٥) في االجنائز: باب الصلاة على الجنازة في المسجد، من حديث بريدة.
(٨) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٣/ ٦٨ - ٦٩) عن معمر، عن عثمان الجزري، عن مقسم مولى ابن عباس، عن ابن عباس، فذكر قصة طويلة فيها قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وصله قول أبيّ بن حلف: "واللَّه لأقتلن محمدًا", فبلغ ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "بل أنا أقتله إن شاء اللَّه". =

<<  <  ج: ص:  >  >>