للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا فإن اللَّه أثنى على الذين اتبعوهم بإحسان، والتقليد وظيفة العامة (١)، وأما (٢) العلماء فإما أن يكون مباحًا لهم أو محرَّمًا؛ إذ الاجتهاد أفضل منه لهم بغير خلاف، وهو (٣) واجبٌ عليهم، فلو أُريد باتباعهم التقليد الذي يجوز خلافه لكان للعامة في ذلك النَّصيب الأوفى، وكان حظُّ علماء الأمة [من هذه الآية] (٤) أبخس الحظوظ، ومعلوم أن هذا فاسد، وأيضًا فالرضوان عمن اتبعهم دليل على أن اتباعهم صواب ليس بخطأ (٥)؛ فإنه لو كان خطأ لكان غاية صاحبه أن يُعفى له عنه، فإن المخطئ إلى أن يعفى عنه أقرب منه إلى أن يُرضِى عنه؛ وإذا كان صوابًا وجب اتباعه؛ لأن خلاف الصواب خطأ والخطأ يَحْرم اتباعه إذا عُلم أنه خطأ وقد علم أنه خطأ بكون الصواب خلافه، وأيضًا فإذا كان اتباعهم موجب الرضوان لم يكن ترك اتباعهم موجب الرضوان؛ لأن الجزاء لا يقتضيه وجود الشيء وضده ولا وجوده عدمه؛ لأنه يبقى عديم الأَثر في ذلك الجزاء، وإذا كان في المسألة قولان أحدهما يوجب الرضوان والآخر لا يوجبه كان الحق ما يوجبه، وهذا هو المطلوب (٦)، وأيضًا فإن طلب رضوان اللَّه واجبٌ؛ لأنه (٧) [إذا] (٨) لم يوجد رضوانه فإما سخطهُ أو عفوه، والعفو إنما يكون مع انعقاد سبب الخطيئة، وذلك لا تُباح مباشرته إلا بالنص، وإذا كان رضوانه إنما هو في اتّباعهم، واتباع رضوانه واجب، كان اتباعهم واجبًا، وأيضًا، فإنه إنما أثنى على المتبع بالرضوان، ولم يصرح بالوجوب؛ لأن إيجاب الاتِّباع يدخل فيه الاتباع في الأفعال، ويقتضي تحريم مخالفتهم مطلقًا فيقتضي ذم المخطئ وليس كذلك، أما الأقوال فلا وجه لمخالفتهم فيها بعدما ثبت أن فيها رضا اللَّه تعالى (٩)، وأيضًا فإن القول إذا ثبت أن فيه رضا اللَّه لم يكن رضا اللَّه في


(١) أي الجاهل الذي لم يطلب العلم ولم يشتغل به (س).
(٢) في المطبوع و (ك): "فأما".
(٣) في (ك): "أو هو".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) يأتي كلام الشيخ: "إن أقوالهم هي الحق وخلافها باطل" (س).
(٦) في (ك): "كان الحق هو ما يوجبه وهذا المطلوب".
(٧) لأن الفعل أو العمل (س).
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وفي الهامش: "لعله: إذا لم".
(٩) الثناء في الآية مطلق غير مقيد، فإذا ثبت الوجوب كان مطلقًا غير مقيد بالأقوال دون الأفعال، فلا يثبت وجه التفريق بين الأقوال والأفعال، واستثناء المخطئ من الذم في الأقوال يثبت بنفس أدلة الاستثناء في الأفعال، وبنفس الأعذار المانعة من الذم.
ومانع المخالفة في الأقوال لغير مخصص أو عارض معتبر في الأقوال هو عين المانع =

<<  <  ج: ص:  >  >>