للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أبعد الأشياء أن يكون الصواب مع من خالفه في فتيا أو حكم لا يُعلم أن أحدًا من الصحابة خالفه فيه، وقد شهد له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذه الشهادة.

الوجه الحادي والأربعون: ما ثبت في "الصحيح" [من حديث عبد اللَّه بن أبي زيد] (١)، عن ابن عباس [-رضي اللَّه عنهما-] (١): أنه وُضع للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وضوءًا، فقال: من وضع هذا؟ قالوا: ابن عباس، فقال: "اللهم فقهه في الدين" (٢)، وقال عكرمة: ضمني إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "اللهم علمه الحكمة" (٢).

ومن المستبعد جدًا بل [من] (٣) الممتنع أن يُفتي حبر الأمة وترجمان القرآن الذي دعا له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بدعوة مستجابة قطعًا أن يفقِّهه في الدين ويعلّمه الحكمة ولا يخالفه فيها أحد من الصحابة، ويكون فيها على خطأ، ويفتي واحد من المتأخرين بعده بخلاف فتواه، ويكون الصواب معه، فيظفر به هو ومقلدوه (٤)، ويحرمه ابن عباس والصحابة -رضي اللَّه عنهم-.

الوجه الثاني والأربعون (٥): أن صورة المسألة ما إذا لم يكن في الواقعة حديث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا اختلاف بين الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وإنما قال بعضهم فيها قولًا وأفتى بفُتيا ولم يعلم أن قوله وفتياه اشتهر (٦) في الباقين ولا أنهم خالفوه، وحينئذ فنقول: من تأمَّل المسائل الفقهية، والحوادث الفرعية (٧)، وتدَّرب بمسالكها، وتصرَّف في مداركها، وسلك سُبُلها ذللًا، وارتوى من مواردها عللًا (٨) ونهلًا (٩)، علم قطعًا أن كثيرًا منها قد تشتبه فيها وجوه الرأي بحيث لا يُوثق فيها بظاهر مُراد (١٠)، أو قياس صحيح ينشرح له الصدر ويثلج له الفؤاد، بل تتعارض فيها


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وفي (ك): "عبد اللَّه بن يزيد".
(٢) سبق تخريجه.
ووقع في (ق) زيادة: "وعلمه التأويل"، وقال في الهامش: "قوله: "وعلمه التأويل"، قال الحميدي: لم أجد هذه اللفظة في "الصحيحين"، وقد حكاها أبو مسعود، ولم أرها".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٤) في (ق): "ومقلده".
(٥) وهو استدلال نظري علمي كما هو ظاهر لمن تأمله (س).
(٦) في المطبوع و (ك): "أشهر".
(٧) في (ق): "الفروعية".
(٨) العلل والتعلل: الشرب مرة بعد مرة، ويراد هنا الأخذ من علوم الفقه، والمداومة عليه (س).
(٩) النهل: أول الشرب، أو المرة الأولى (س).
(١٠) ليس المراد هاهنا ظاهر النصوص البينة، فهذا خارج عن الصورة المفترضة، ويحتمل أن يكون المراد النصوص المجملة أو المشتركة، أو إشارة النص (س).

<<  <  ج: ص:  >  >>