للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتلك الفتوى التي يفتي بها أحدهم لا تخرج عن ستة وجوه (١):

أحدها: أن يكون سمعها من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (٢).

الثاني: أن يكون سمعها ممن سمعها منه.

الثالث: أن يكون فهمها من آية من كتاب اللَّه فهمًا خفي علينا.

الرابع: أن يكون [قد] (٣) اتفق عليها ملؤهم، ولم يُنقل إلينا إلا قول المفتي بها وحده.

الخامس: أن يكون لكمال علمه باللغة ودلالة اللفظ على الوجه الذي انفرد (٤) به عنا، أو لقرائن حالية اقترنت بالخطاب، أو لمجموع أمور (٥) فهموها على طول الزمان من رؤية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومشاهدة أفعاله وأحواله وسيرته، وسماع كلامه والعلم بمقاصده وشهود تنزيل الوحي ومشاهدة تأويله بالفعل، فيكون فَهِم ما لا نفهمه نحن (٦)، وعلى هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة يجب اتباعها.


= فهؤلاء ثلاثة من فقهاء أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يفتون بنص الحديث، ولا يصرحون برفعه، حتى صرح زيد -رضي اللَّه عنه- برفعه.
٢ - وعند الترمذي أن أبا أمامة -رضي اللَّه عنه- رأى رؤوسًا منصوبة على درج دمشق فقال: "كلاب النار، شرُّ قتلى تحت أديم السماء، خير الناس من قتلوه، ثم قرأ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} الآية.
قال أبو غالب: قلت لأبي أمامة: (أنت سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟) قال: (لو لم أسمعه إلا مرة، أو مرتين، أو ثلاثًا أو أربعًا، حتى عد سبعًا: ما حدثتكموه) صحيح الترمذي (٣/ ٣٢) [وانظر تخريجه في (٥/ ٥٧٧ - ٧٧٨)].
وهذا صحابي يخبر بما سمع من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دون تصريح، ولا يصرح بالرواية حتى سئل، وكان سمعه سبع مرات وأكثر (س).
(١) في المطبوع و (ك): "أوجه".
(٢) ولم يصرح برفعها (س).
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٤) في (ق): "انفردوا".
(٥) في (ق): "أمورها".
(٦) مع العلم أن من المقطوع به أنهم لا يجتمعون على ضلالة صغيرة، فضلًا عن كبيرة، فلا يعدم ناطق بالحق، قائم به، مظهر له بين ظهرانيهم، والهمم على نقل فتاويهم وأقوالهم قوية، والدواعي متوفرة، خلافًا لزمن من بعدهم.
أضف أن أقوالهم في بيان الأحكام، وكشف الشبهات، وما تعلق بالدين، سنة شرعية مكملة لمعاني الذكر ودلالات القرآن والسنة، وداخلة في ضمنه، توعد القرآن على اتباع غيرها، ودل عليها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للخروج من الاختلاف الكثير والفتن والضراء، فلا يجوز أن تجتمغ الأمة على تضييعها ونسيانها، يبعث اللَّه لها الطائفة الناجية المنصورة (س).

<<  <  ج: ص:  >  >>