للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقوالهم في تفسير القرآن؟ هل هي حجة يجب المصير إليها؟ (١).

قيل: لا ريب أن أقوالهم (٢) في التفسير أصوب من أقوال من بعدهم، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن تفسيرهم في حكم المرفوع، قال أبو عبد اللَّه الحاكم في "مستدركه" (٣): وتفسير الصحابي عندنا في حكم المرفوع. ومراده أنه


(١) قال الشيخ القاسمي رحمه اللَّه: "فصل في أن بيان الصحابة حجة إذا أجمعوا، قال الشاطبي في "الموافقات": "بيان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيان صحيح لا إشكال في صحته؛ لأنه لذلك بعث، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ولا خلاف فيه، وأما بيان الصحابة، فإن أجمعوا على ما بينوه، فلا إشكال في صحته أيضًا كما أجمعوا على الغسل في التقاء الختانين المبين لقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦]، وإن لم يجمعوا عليه، هل يكون بيانهم حجة أم لا؟ هذا فيه نظر وتفصيل، ولكنهم يترجح الاعتماد عليهم في البيان من وجهين"، وخلاصة هذين الوجهين: تقدمهم في اللسان وتفردهم بتمام معرفة اللغة عن غيرهم، فإذا جاء عنهم قول أو عمل واقع موقع البيان صح اعتماده، ومباشرتهم للوقائع وأسباب النزول، وكونهم أقعد في فهم قرائن الحال، فيدركون من ذلك ما لا يدرك غيرهم، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب: "فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات، أو تخصيص بعض العمومات، فالعمل عليه صواب".
هذا إن لم ينقل عن أحد منهم خلاف في المسألة، فإن خالف بعضهم فالمسألة اجتهادية "محاسن التأويل" (١/ ١٠٢) وانظر "الموافقات" (٤/ ١٢٧ - ١٢٩ - بتحقيقي).
ومن هذا النقل نستفيد فوائد:
١ - تقدير الإمام الشاطبي الاحتجاج بتفسير الصحابة.
٢ - موافقة الشيخ القاسمي له بنقل كلامه والاستدلال به.
٣ - إن أجمعوا علبه كان حجة ملزمة، وما اختلفوا فيه جاز الاجتهاد فيه ضمن أقوالهم.
٤ - أن أعمال وأقوال الصحابة -رضي اللَّه عنهم- تبين النصوص وتخصص عمومها، وتقيد مطلقها. (س).
(٢) في (ق): "قولهم".
(٣) ذكر ذلك السيوطي رحمه اللَّه في كتابه "الإتقان" (٤/ ١٨١ - ت محمد أبو الفضل)، لكن الذي رأيته في "المستدرك" للحاكم (٢/ ٢٥٨ - ط دار الفكر) في كتاب "التفسير": بعد تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)} قال ابن عباس: "الجن والإنس".
قال الحاكم: "ليعلم طالب هذا العلم [أي التفسير] أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند" وانظره: (١/ ٢٧، ١٢٣، ٥٤٢).
قلت: والحق أن تفسير الصحابي الذي لم يأخذ عن أهل الكتاب مسند فيما يتعلق بسبب النزول، وفيما يفسره إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا منقولًا عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا، وأما إذا فسر آية تتعلق بحكم شرعي، فيحتمل أن يكون =

<<  <  ج: ص:  >  >>