كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور

فصل [فوائد تتعلق بالفتوى] - [مما ينبغي للمفتي أن يذكر الحكم بدليله] - ج: 6 - ص: 51

فبِمَ يأكل أحدكم مال أخيه بغير حق؟ " (١)، وهذا التعليل بعينه ينطبق على من استأجر أرضًا للزراعة فأصاب (٢) الزرع آفة سماوية لفظًا ومعنًى فيقال للمؤجِّر: أرأيت إن منع اللَّه الزرع فبم تأكل مال أخيك بغير حق، وهذا هو الصواب الذي ندين اللَّه به [في المسألة] (٣)، وهو اختيار شيخ الإسلام [ابن تيمية] (٤).

والمقصود أن الشارع مع كون قوله حجة بنفسه يرشد الأمة إلى علل الأحكام ومداركها وحكمها فورثته من بعده كذلك.

ومن ذلك نهيه عن الخذف (٥)، وقال: "إنه يفقأ العين ويكسر السن" (٦)، ومن ذلك إفتاؤه للعاض يد غيره بإهدار دية ثنيته (٧) لما سقطت بانتزاع [المعضوض يده من فيه ونبه على العلة بقوله: "أيدع يده في فيك تقضمها، كما يقضم الفحل" (٨)، وهذا من أحسن التعليل وأبينه، فإن العاض لما صال على المعضوض جاز له أن يرد صياله عنه بانتزاع] (٩) يده من فمه فإذا أدَّى ذلك إلى إسقاط ثناياه كان سقوطها بفعل مأذون فيه من الشارع، فلا يقابل بالدية (١٠)، وهذا كثير جدًا في السنة فينبغي للمفتي أن ينبِّه السائل على علة الحكم، ومأخذه إن عرف ذلك وإلا حرم عليه أن يفتي بلا علم.

---

= ومسلم في "الصحيح" (كتاب الصيد والذبائح): (رقم ١٩٤٠) عن أنس -رضي اللَّه عنه-.
(١) رواه البخاري (١٤٨٨) في (الزكاة): باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه. و (٢١٩٨) باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، و (٢٢٠٨) باب بيع المخاضرة، ومسلم (١٥٥٥) في (المساقاة): باب وضع الحوائج من حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-.
(٢) في (ق): "وأصابت".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٤) انظر: "مجموع الفتاوى" (٣٠/ ٢٣٨ - ٢٣٩) له.
(٥) قال (د): "في نسخة: "عن الخلاف" تحريف"، وقال (و): "رميك حصاة، أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها، أو تتخذ مخذفة من خشب ثم ترمي بها الحصاة بين إبهامك والسبابة".
(٦) رواه البخاري (٤٨٤١) في (تفسير سورة الفتح): باب {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}، و (٥٤٧٩) في (الذبائح والصيد): باب الخذف والبندقة، و (٦٢٢٠) في (الأدب): باب النهي عن الخذف، ومسلم (١٩٥٤) في (الصيد والذبائح): باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد والعدو، من حديث عبد اللَّه بن المغفل.
(٧) في (ق): "دية سنه".
(٨) سبق تخريجه.
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(١٠) انظر هذه المسألة عند المصنف في "زاد المعاد" (٣/ ٢٠٤)، وستأتي.