للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم؟ فهل يسوغ للإمام ردهم إلى زيهم الأول، وإعادتهم إلى ما كانوا عليه مع حصول التميز بعلامة يُعرفون بها؟ وهل في ذلك مخالفة (١) للشرع أم لا؟ فأجابهم مَنْ مُنِع التوفيق، وصُدَّ عن الطَّريق بجواز ذلك، وإن للإمام (٢) إعادتهم إلى ما كانوا عليه، قال شيخنا: فجاءتني الفتوى، فقلتُ: لا تجوز إعادتهم [إلى ما كانوا عليه] (٣) ويجب إبقاؤهم على [الزي] (٤) الذي يتميزون به عن المسلمين، فذهبوا، ثم غيَّروا الفتوى (٥)، ثم جاءوا بها في قالب آخر، فقلت: لا تجوز إعادتهم، فذهبوا، ثم أتوا (٦) بها في قالب آخر، فقلت: هي المسألة المعينة، وإنْ خرجت في عدة قوالب، ثم ذهب إلى السلطان وتكلَّم عنده بكلامٍ عجب منه الحاضرون، فأطبق القوم على إبقائهم (٧) وللَّه الحمد.

ونظائر هذه الحادثة أكثر من أن تحصى، فقد ألقى الشيطان على ألسنة أوليائه أن صوروا فتوى فيما يحدث ليلة النصف (٨) في الجامع وأخرجوها في قالب حسن، حتى استخفوا عقل بعض المفتين فأفتاهم بجوازه، وسبحان اللَّه كم توصل بهذه الطريق (٩) إلى إبطال حق وإثبات باطل! وأكثر الناس إنما هم أهل ظواهر في الكلام واللباس والأفعال وأهل النقد منهم الذين يعبرون من الظاهر إلى حقيقته وباطنه لا يبلغون عشر معشار غيرهم (١٠)، ولا قريبًا من ذلك، فاللَّه المستعان.


(١) في (ق): "مخالف".
(٢) في (ق): "يجوز ذلك ورأى الإِمام".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) في (ك) و (ق): "الفتيا".
(٦) في (ق): "ثم جاؤوا".
(٧) قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (١٤/ ١٦) أحداث سنة (٧٠٠ هـ) ما نصه: "وفي يوم الاثنين قرئت شروط الذمة على أهل الذمة، وألزموا بها، واتفقت الكلمة على عزلهم عن الجهات، وأخذوا بالصغار، ونودي بذلك في البلد، وألزم النصارى بالعمائم الزرق، واليهود بالصُّفر، والسامرة بالحمر، فحصل بذلك خير كثير، وتميّزوا عن المسلمين" وانظر: "أحكام أهل الذمة" (٣/ ١٢٩٥ - ١٢٩٩ - ط الرمادي) و"تشبيه الخسيس" للذهبي (ص ١٩١ - ضمن مجلة "الحكمة" العدد الرابع - بتحقيقي).
وفي (ق): "على إقفائهم".
(٨) أي من شعبان، وانظر عن بدعية ما فيها "الحوادث والبدع" للطرطوشي (ص ١٢١ - ١٢٢) و"الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص ١٢٤ - ١٣٧) و"الأمر بالاتباع" (ص ١٧٦ - ١٨٠) للسيوطي، مع تعليقي عليهما, ولعلي القاري رسالة مفردة فيها، فرغت من تحقيقها من سنوات، والحمد للَّه الذي بنعمته تتم الصالحات.
(٩) في المطبوع: "الطرق"، وفي (ق): "بهذا الطريق".
(١٠) في (ت): "لا يبلغون إلى عشر معشار غيرهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>