للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل هذه الصورة بقبول شهادة الكفار على المسلمين في السفر في الوصية في آخر سورة أنزلت في [القرآن] (١)، ولم ينسخها شيء ألبتة، ولا نَسَخ هذا الحكم كتابٌ، ولا سنة، ولا أجمعت الأمة على خلافه، ولا يليق بالشريعة سواه فالشريعة شرعت لتحصيل مصالح العباد بحسب الإمكان وأي مصلحة لهم في تعطيل حقوقهم إذا لم يحضر أسباب تلك الحقوق شاهدان حرَّان ذكران عدلان؟ بل إذا قلتم: تقبل شهادة الفساق حيث لا عدل، وينفذ حكم الجاهل والفاسق إذا خلا الزمان عن قاض عالم عادل (٢) فكيف لا تقبل شهادة النساء إذا خلا جمعهن (٣) عن رجل، أو شهادة العبيد إذا خلا جمعهم عن حر أو شهادة (٤) الكفار بعضهم على بعض إذا خلا جمعهم (٥) عن مسلم؟ وقد قبل ابن الزبير -رضي اللَّه عنهما- شهادة الصبيان بعضهم على بعض في تجارحهم (٦)، ولم ينكره عليه أحد من الصحابة (٧)،


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) انظر: "الطرق الحكمية" (ص ١٩٠ - ١٩٤، ١٧٣، ٢٠٠ الطريق السادس عشر)، و"مدارج السالكين" (١/ ٣٦٠ - ٣٦١).
(٣) في (ق): "جميعهن".
(٤) في (ق): "أو شهادة العبد إذا خلا جميعهم عن حر وشهادة".
(٥) في (ق): "جميعهم".
(٦) رواه مالك في "الموطأ" (٢/ ٧٢٦) -ومن طريقه البيهقي (١٠/ ١٦٢) - وعبد الرزاق (١٥٤٩٤، ١٥٤٩٥) وابن أبي شيبة (٥/ ١٢٠). عن هشام بن عروة أن عبد اللَّه بن الزبير كان يقضي بشهادة الصبيان فيما بينهم في الجراح لفظ مالك.
وهشام بن عروة روى عن عمّه، لكن لا أدري هل سمع منه أم لا؟ فإن هشامًا كان عمره عند وفاة عمه أربعة عشر عامًا.
ولفظ عبد الرزاق الثاني: عن ابن أبي مليكة: أنه كان قاضيًا لابن الزبير، فأرسل إلى ابن عباس يسأله عن شهادة الصبيان، فلم يجزهم، ولم ير شهادتهم شيئًا، فسأل ابن الزبير، فقال: "إذا جيء بهم عند المصيبة، جازت شهادتهم"، وإسناده صحيح.
وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (٢٢/ ٧٨): "اختلف على ابن الزبير في إجازة شهادة الصبيان، والأصح عنه أنه كان يجيزها إذا جيء بهم من حال حلول المصيبة، ونزول النازلة".
(٧) وروي ذلك عن علي ومعاوية أيضًا، خرجتهما في تعليقي على "الإشراف"، للقاضي عبد الوهاب (٥/ ٤٢)، وقول المصنف هذا غير دقيق، إذ أسند الشافعي في "الأم" (٧/ ٨٩) وابن أبي شيبة (٥/ ١٢١) والبيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٦١) وفي "المعرفة" (١٩٩٢٦) عن ابن عباس قال: "لا تجوز شهادة الصبي" وكذا أخرجه عبد الرزاق (١٥٤٩٥) وإسناده صحيح، ومضى لفظه في تخريج الأثر السابق، ولذا قال ابن عبد البر =

<<  <  ج: ص:  >  >>