للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجو كهذا لا يمكِّن من طلب العلم بل إنه يصرف الأذهان عن نور المعرفة، وذلك هو الذي وقع في دنيا الناس حينئذ، ولذلك عاشوا عالة على السابقين، يقلدونهم تقليدًا أعمى، ويجمدون على ترسم خطواتهم، ولذلك خمدت القرائح وعجزت عن الابتكار والاجتهاد والتجديد، ولا ينقض هذا وجود بعض أفراد كان لهم إلى حد ما جهد يذكر فيشكر.

في هذا الجو ظهر ابن القيم ظهور الغيور على أمته، المهتم بحاضرها، الباحث عن خير مصير لها في مستقبلها، الراغب في إنهاضها من كبوتها، وإقالتها من عثرتها، وإخراجها من ظلمات الخلافات، والعودة بها إلى طريق النور الذي سلكه سلفنا الصالح، فوصلوا في نهايته إلى أكرم الغايات في ضوء هذا الدين القويم، وبتوجيهات القرآن الكريم.

من الملامح العلمية لابن القيم

وجود الجنة والنار وخلودهما:

يرى ابن القيم أن الجنة والنار موجودتان الآن (١): الجنة أُعدت للمتقين، والنار أعدت للعصاة والكافرين، وأنهما خالدتان، وأن أهلهما مخلَّدون فيهما، لكنه يرى أن عصاة المؤمنين الذين يعذبون في النار يخرجون بعد أن يلقوا جزاءهم ويدخلون الجنة.

الحسن والقبح:

يرى ابن القيم أن العقل يمكن أن يستقل بإدراك حُسن الحسن وقبح القبيح دون توقف على أمر الشارع ونهيه، ولكن العقاب على القبيح والثواب على الحسن لا يكون إلا بالرسالة التي هي المصدر الوحيد للقول الفصل في أمر الثواب والعقاب (٢).

المعاد:

يرى ابن القيم أن رسل اللَّه اتفقوا على أن الروح باقية، وأنها منعَّمة أو معذَّبة في


(١) هذا معتقد أهل السنة بعامة.
(٢) بيّنتُ هذه المسألة على وجه فيه تفصيل في تعليقي على "الاعتصام" (١/ ١٩١ - ١٩٥)، و"الموافقات" (١/ ٥٣٧ و ٢/ ٧٧ و ٣/ ٢١٠) كلاهما للشاطبي، وانظر كلام ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (٢/ ٢ - ١١٨) و"مدارج السالكين" (١/ ٢٣٠ - ٢٥٧، ٩١، و ٣/ ٤٠٧، ٤٨٨، ٤٩٢)، و"شفاء الغليل" (٤٣٥) وقارنه بما في "مجموع الفتاوى" (٨/ ٩٠، ٩١، ٤٢٨ - ٤٣٢ و ٣/ ١١٤ - ١١٥ و ١١/ ٦٧٥ - ٦٨٧ و ١٥/ ٨ و ١٦/ ٢٣٥ - ٣٦٣) و"درء تعارض العقل والنقل" (٨/ ٤٩٢ - ٤٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>