للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قريش، ومن ذلك تحريق الصديق للفجاءة السُّلَمي (١)، ومن ذلك اختيار عمر رضي اللَّه عنه للناس إفراد الحج، وأن يعتمروا في غير أشهر الحج (٢)، فلا يزال البيت الحرام معمورًا بالحجاج والمعتمرين، ومن ذلك منع عمر -رضي اللَّه عنه- من بيع أمهات الأولاد (٣)، وقد باعوهن في حياة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وحياة أبي بكر -رضي اللَّه عنه- وأرضاه (٤)، ومن ذلك إلزامه بالطلاق الثلاث لمن أوقعه بفم واحد عقوبة له، كما صرَّح هو بذلك (٥)، وإلا فقد كان على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر وصدرًا من إمارته هو يجعل واحدة (٦) إلى أضعاف [أضعاف] (٧) ذلك من السياسات العادلة التي ساسوا بها الأمة وهي مشتقة من أصول الشريعة وقواعدها.

وتقسيمُ بعضهم طرقَ الحكم إلى شريعة وسياسة كتقسيم غيرهم الدين إلى شريعة وحقيقة وكتقسيم آخرين الدينَ إلى عقل ونقل، وكل ذلك [تقسيم باطل، بل السياسة والحقيقة والطريقة والعقل كل ذلك] (٨) ينقسم إلى قسمين: صحيح وفاسد؛ فالصحيح قسم من أقسام الشريعة لا قسيم لها والباطل ضدها ومنافيها، وهذا الأصل من أهم الأصول وأنفعها، وهو مبني على حرف واحد، وهو عموم رسالة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه العبادُ في معارفهم وعلومهم [وأعمالهم] (٨)، وأنه لم يحوج أمته إلى أحدٍ بعده، وإنما حاجتهم إلى مَنْ يبلّغهم عنه ما جاء به (٩)، فلرسالته عمومات محفوظات (١٠) لا يتطرق إليهما تخصيص [عموم بالنسبة إلى المرسل إليه] (١١) وعموم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه مَنْ بُعث إليه في أصول الدين وفروعه، فرسالته كافية شافية عامة لا تحوج إلى سواها، ولا يتم الإيمان به إلا بإثبات عموم رسالته في هذا وهذا، فلا يخرج أحد من المكلفين عن رسالته، ولا يخرج نوع من أنواع الحق الذي تحتاج إليه الأمة في علومها وأعمالها عما جاء به.


(١) انظر تفصيل ذلك في "تاريخ الطبري" (٣/ ٢٦٤ - ط. المعارف)، وفي سائر النسخ: "الفجاءة" والمثبت من (ك).
(٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) مضى تخريج ذلك، والحمد للَّه الذي بنعمته تتم الصالحات.
(٧) ما بين المعقوفتين من (ك).
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٩) انظر كلام المصنف -رحمه اللَّه- حول قاعدة "شمول الشريعة لأحكام المكلفين وكمالها، وأنها محيطة باحكام الحوادث" في "مفتاح دار السعادة" (ص ٣٢٤ - ٣٣٤)، و"مدارج السالكين" (٢/ ٤٥٨ - ٤٥٩)، و"الصواعق المرسلة" (١/ ٥، ٨٨، ٩٠)، و"اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص ٣).
(١٠) في المطبوع: "عمومان محفوظان" والمثبت من (ك).
(١١) ما بين المعقوفتين مكرر في (ك) وفي المطبوع: "إليهم" بدل "إليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>