للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الراوي موافقًا لقول مَنْ قلده والحديث بخلافه قال: لم يكن الراوي يخالف ما رواه إلا وقد صح عنده نَسْخُه، وإلا كان قَدْحًا في عَدَالته، فَيَجْمَعُونَ في كلامهم بين هذا وهذا، بل قد رأينا ذلك في الباب الواحد، وهذا من أقبح التناقض.

والذي ندينُ اللَّه به ولا يَسَعُنا غيره وهو القصد في هذا الباب أن الحديث إذا صح عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخْذُ بحديثه وتَرْك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحدٍ من الناس كائنًا من كان لا راويه ولا غيره؛ إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديثَ، أو لا يَحْضُره وقتَ الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأول فيه تأويلًا مرجوحًا، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارَضًا في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه، ولو قدر انتفاء ذلك كله، ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه، لم يكن الراوي معصومًا، ولم توجب مخالفَتُه لما رواه سقوطَ عدالتِهِ حتى تغلب سيئاته حسناته، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك" (١).

ثم عاد وربط هذا المثال بأصله (تغير الفتوى)، فقال في (٣/ ٤٠٨):

"وإذا عرف هذا فهذه المسألة مما تغيرت الفَتْوَى بها بحسب الأزمنة كما عرفت؛ لما رأته الصحابة من المصلحة؛ لأنهم رأوا مَفْسَدة تتابع الناس في إيقاع الثلاث لا تندفع إلا بإمضائها عليهم، فرأوا مصلحة الإمضاء أقوى من مفسدة الوقوع، ولم يكن باب التحليل الذي لَعَنَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاعله (٢) مفتوحًا بوجه ما، بل كانوا أشد خلق اللَّه في المنع منه، وتوعد عمر فاعله بالرجم، وكانوا عالمين بالطلاق المأذون فيه وغيره".

قال صديق حسن خان ملخصًا لمباحث السابقة:

"وفي "الأعلام" فصلٌ مستقلٌّ في تحريم الإفتاء، والحكم في دين اللَّه بما يخالف النُصوص، وسقوط الاجتهاد والتَّقليد عند ظهور النَّص، وذكر إجماع


(١) "إعلام الموقعين" (٣/ ٤٠٧ - ٤٠٨)، ومن الجدير بالذكر أن المصنف بيَّن بالتفصيل والتمثيل ما خفي على أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أحاديث، قال صديق حسن خان في "ذخر المحتي" (ص ٦٣): "وقد سرد تلك الخفايا الحافظ ابن القيم في "الأعلام" اسمًا باسم، ثم قال: وهذا باب لو تتبعناه لجاء سفرًا كبيرًا" وانظره أيضًا (ص ٦٨).
(٢) انظر تخريجه في (٣/ ٤١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>