للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلماء على ذلك، لا نطول الكلام بذكر ما فيه من الأدلَّة. والآياتُ الدَّالَّةُ على وجوب اتِّباع الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أيضًا كثيرةٌ جدًّا، وكذلك أمثلةُ رَدِّ النُصوص المحكمة بالمتشابه لا تكاد تنحصر، ذكرَ جملةً صالحةً منها في "الإعلام"، وبلَّغها إلى المثال الثالث والسبعين، ثم حرَّر فصولًا نفيسةً طَيِّبَةً في بيان تغيير الفتوى واختلافها بحسب الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد؛ وهو فصلٌ عظيمُ النفع جدًّا وقع بسبب الجهلِ به غَلَطٌ عظيمٌ على الشَّريعة، أوْجَبَ من الحرج والمشقَّة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يُعْلَمُ أن الشَّريعةَ الباهرة التي هي في أعلى رُتَبِ المصالح لا تأتي به" (١).

ثم ذكر ابن القيم إلماحة تاريخية عما يجري في عصره بسبب عدم القول بهذه الفتوى (٢)، وقال في (٣/ ٤٠٨ - ٤١٢):.

"وأما في هذه الأزمان التي قد شكت الفروجُ فيها إلى ربها من مفسدة التحليل، وقبح ما يرتكبه المحللون، مما هو رمد -بل عمى- في عين الدِّين، وشجًى في حلوق المؤمنين، من قبائحَ تُشْمِتُ أعداء الدين به وتمنع كثيرًا ممن يريد الدخول فيه بسببه، بحيث لا يحيط بتفاصيلها خطاب، ولا يحصرها كتاب، يراها المؤمنون كلهم من أقبح القبائح، ويعدّونها من أعظم الفضائح، قد قلبت من الدين رَسْمَه، وغيّرت منه اسمه، وضمخ التيس المستعار فيها المطلقة بنجاسة التحليل، وقد زعم أنه قد طيّبها للحليل، فيا للَّه العجب! أيُّ طيب أعارَها هذا التيسُ الملعون؟ وأيُّ مصلحة حصلت لها ولمطلقها بهذا الفعل الدُّون؟ أترى وقوفَ الزوجِ المطلِّق أو الولي على الباب والتيسُ الملعونُ قد حل إزارها وكشف النقاب وأخَذ في ذلك المرتع والزوجُ أو الولي يُنَاديه: لم يقدَّم إليك هذا الطعام لتشبع، فقد علمت أنت والزوجة ونحن والشهود والحاضرون والملائكة الكاتبون ورب العالمين أنك لست معدودًا من الأزواج، ولا للمرأة أو أوليائها بك رضًا ولا فرح ولا ابتهاج، وإنما أنت بمنزلة التيس المستعار للضِّرَاب، الذي لولا هذه البَلْوَى لما رضينا وقوفَكَ على الباب؛ فالناس يُظهرون النكاح ويعلنونه فرحًا وسرورًا، ونحن نتواصَى بكتمان هذا الداء العُضال ونجعله أمرًا مستورًا؛ بلا نِثَار


(١) "ذخر المحتي" (ص ٦٥).
(٢) كان هذا من دوافع بحثه (الحيل) بتاصيل وتفصيل، كما سيأتي بيانُه قريبًا إن شاء اللَّه تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>