أصحابه فقضى حقه وأتاه؟ وسَلْه: هل تحمَّل من كلفة هذا العقد ما يتحمله المتزوجون، أم جاءه كما جرت به عادة الناس الأصحابُ والمهنئون؟ وهل قيل له: بارك اللَّه لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية، أم لعن اللَّه المحلل والمحلَّل له لعنة تامة وافية؟
ثم سَلْ مَنْ له أدنى اطلاع على أحوال الناس: كم من حُرَّة مَصُونة أنْشَبَ فيها المحلل مخالِبَ إرادته فصارت له بعد الطلاق من الأخدان وكان بعلها منفردًا بوطئها فإذا هو والمحلل فيها ببركة التحليل شريكان؟ فلعمر اللَّه! كم أخرج التحليل مخدرة من سترها إلى البغاء، وألقاها بين براثن العُشَرَاء والخدناء؟ ولولا التحليل لكان منال الثريا دون منالها، والتدرع بالأكفان دون التدرع بجمالها، وعناق القَنَا دون عناقها، والأخذ بذراع الأسد دون الأخذ بساقها.
وسَلْ أهل الخبرة: كم عَقَدَ المحلل على أم وابنتها؟ وكم جمع ماءَه في أرحام ما زاد على الأربع وفي رحم الأختين؟ وذلك مُحَرَّم باطل في المذهبين، وهذه المفسدة في كتب مفاسد التحليل لا ينبغي أن تفرد بالذكر وهي كموجة واحدة من الأمواج، ومن يستطيع عد أمواج البحر؟! وكم من امرأة كانت قاصِرَةَ الطّرْف على بعلها، فلما ذاقت عُسَيْلَة المحلل خرجت على وجهها فلم يجتمع شمل الإحصان والعفة بعد ذلك بشملها، ومن كان هذا سبيله فكيف يحتمل أكمل الشرائع وأحكمها تحليله؟! ".
وأخذ في سرد الأحاديث، عازيًا لها إلى دواوين السنة، ذاكرًا من أعلّها، وحجتهم في ذلك، ثم رد عليهم بتقرير ثبوتها، على منهج أهل العلم.
ثم عقد فصلًا عن (التيس المستعار)، الذي كثر وجوده بسبب القول بأن جمع الطلاق الثلاث بلفظ واحد يعدُّ ثلاث تطليقات، وفضل في أدلة تحريمه، وعدم إدراجه تحت معاني النكاح ومقاصده، وعدم وجوده في الصحابة ثم لخص مراده من هذا كله بقوله في (٣/ ٤٢٥):
"وإنما المقصود أن هذا شأن التحليل عند اللَّه ورسوله وأصحاب رسوله، فألزمهم عمر بالطلاق الثلاث إذا جَمَعُوها ليكُفُّوا عنه إذا علموا أن المرأة تحرم به، وأنه لا سبيل إلى عَوْدِها بالتحليل، فلما تغيَّر الزمانُ، وبَعُدَ العهدُ بالسنة وآثار القوم، وقامت سوق التحليل ونفقت في الناس؛ فالواجب أن يُرَدَّ الأمر إلى ما كان عليه في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وخليفته من الإفتاء بما يعطِّل سوق التحليل أو يقللها