للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخبرات، والمستوى العلمي الذي بلغته عصورهم، ومجتمعاتهم، ليس من المناسب اليوم، بل ومن غير المعقول أن تكرر تلك الأحكام، وتردد تلك المسائل دون وعي وإدراك لتغير العرف فيها، أو ما استحدث من تقدم علمي في معالجتها، مثلًا: كان الفقهاء يعدون بعض الأمراض موجبًا لفسخ النكاح لأنها كانت مما يستعصي علاجه مثل الرتق، والفتق، والبخر، منها الخاص بالرجال، ومنها الخاص بالنساء، ومنها المشترك بينهم، أصبح معظمها في الوقت الحاضر -بحمد اللَّه- سهل العلاج، سريع البرء، وما سطره الفقهاء، وما قدموه من تصورات فيه دلالة على وعيهم التام بأحوال مجتمعاتهم، فجاءت الأحكام منسجمة متوافقة مع بيئاتهم التي عاشوها، واللوم كله يقع على الذين يفرضون الماضي على الحاضر دون وعي بالاختلاف والتباين بين العصرين، فيجترون ويكررون ما في كتب التراث الفقهي، لا يعيشون عصرهم، ولا يدرون ما يحدث فيه من تطورات اجتماعية، وعلمية وإيثارًا للطريق السهل، وتفاديًا لعناء البحث ومتاعبه.

الأمانة العلمية تقتضي بذل أقصى الجهد للتوصل إلى الحقائق العلمية، والمتغيرات الاجتماعية في كافة مراحل البحث بتصور واع، وإدراك لحقائق الأمور، وتفتح كامل دون تفريط حتى تكون صادقة، متطورة، متجددة تصدر الأحكام والدراسات عن تصورات ومفاهيم مشتركة بين الباحث والقارئ، فيشعر أنه طرف فيها، وجزء منها، تتحدث عن واقع يعيشه (١).

الرابع: ختم ابن القيم الكلام على (تغير الفتوى) بمسألة (المهر) وحكم تأجيل (بعضه)، وأنه يستحق -بناء على العرف العام- المطالبة به بموت أو فرقة، ودلّل على المسألة بالآثار، وأن الليث حكى الإجماع عليه، واستطرد هنا بذكر رسالة الليث بن سعد إلى مالك بن أنس، فأوردها بطولها من "المعرفة والتاريخ" للفسوي، وموطن الشاهد في (٣/ ٤٨٣) خمسة سطور منها، ثم عاد إلى التفريع على مسألة (المهر المؤجل)، فذكر (مهر السر ومهر العلن)، وصوره السبعة (٢)، وأدار الأحكام على المسائل المتقدمة كلها بالقصد والنية، قال في (٣/ ٤٩٦): "فدل على أن القصد روح العقد ومصححه ومُبطله، فاعتبار القصود في العقود


(١) "منهج البحث في الفقه الإسلامي" (٩٩ - ١٠٠).
(٢) انظرها في (٣/ ٤٩٣ - ٤٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>