للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهادته له بحال، مع القطع أو ظهور انتفاء التهمة، كما لو شهد له بنكاح أو حَدٍّ أو ما لا تلحقه به تهمة.

قالوا: وأما كونه لا يُعطى من زكاته، ولا يُقاد به، ولا يحدُّ به (١)، ولا يَثْبُت له في ذمته دَيْن، ولا يُحْبس به؛ فالاستدلال إنما يكون بما ثَبَتَ بنص أو إجماع، وليس معكم شيء من ذلك، فهذه مسائل نزاع لا مسائل إجماع، ولو سلم ثبوت (٢) الحكم فيها أو في بعضها لم يلزم منه عدم قبول شهادة أحدهما للآخر حيث تنتفي التهمة؛ ولا تَلَازُم بين قبول الشهادة وجَرَيان القصاص وثبوت الدَّين له في ذمته لا عقلًا ولا شرعًا، فإن تلك الأحكام اقْتَضَتها الأبوة التي تمنع من مساواته للأجنبي في حَدِّه به، وإقادته منه، وحَبْسه بدَيْنه، فإن منصب الأبوة (٣) يأبى ذلك، وقبحه مركوز في فِطَر الناس، وما رآه المسلمون حسنًا فهو عند اللَّه حسن، وما رأوْهُ قبيحًا فهو عند اللَّه قبيح، وأما الشهادة فهي خَبَر يعتمد الصدق والعَدَالة، فإذا كان المُخْبِرُ به صادقًا مبرِّزًا في العدالة غير متهم في الأخبار (٤) فليس قَبُولُ قوله قبيحًا عند المسلمين، ولا تأتي الشريعة برد خبر المخبر به واتهامه.

قالوا: والشريعة مَبْنَاها على تصديق الصادق وقبول خبره، وتكذيب الكاذب والتوقف في خبر الفاسق المتهم؛ فهي لا تَردُّ حقًا، ولا تَقْبل باطلًا.

قالوا: وأما حديث عائشة (٥) فلو ثبت لم يكن فيه دليل، فإنّه إنما يدل على عدم قبول شهادة المتهم في قرابته أو ذي ولاية، و [نحن] (٦) لا نقبل شهادته إذا ظهرت تُهمَته، ثم منازعونا لا يقولون بالحديث، فإنهم لا يردُّون شهادة كل قرابة، والحديث ليس فيه تخصيص لقرابة الإيلاد بالمنع، وإنما فيه تعليق المنع بتهمة القرابة، فألغيتم (٧) وَصْفَ التهمة، وخَصَّصتم وصف القرابة بفردٍ منها؛ فكنا نحن أسْعَدَ بالحديث منكم، وباللَّه التوفيق.

وقد قال محمد بن الحكم: إن أصحاب مالك يُجيزون شهادة الأب والابن


(١) في (ق): "ولا يحد بقذفه".
(٢) في (ق): "بثبوت".
(٣) في المطبوع: "أبوته".
(٤) زاد هنا في (ك) و (ق): "به".
(٥) المتقدم، وهو: "لا يجوز شهادة خائن. . .".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٧) في (ق): "فنفيتم".

<<  <  ج: ص:  >  >>