للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحجاز ومكة على قبول شهادته؛ وأما أهل العراق فيأخذون بالقول الأول (١) لا تقبل أبدًا، وكلا الفريقين إنما تأولوا القرآن فيما نرى، والذين لا يقبلونها يذهبون إلى أن المعنى انقطع [من] (٢) عند قوله: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤] ثم استأنف فقال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٤] فجعلوا الاستثناء من الفسق خاصة دون الشهادة؛ وأما الآخرون فتأولوا أن الكلام تَبعَ بعضُه بعضًا على نَسَق واحد فقالوا (٣): {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فانتظم الاستثناء كلَّ ما كان قبله.

قال أبو عُبيد: وهذا عندي هو القول المعمول به؛ لأن من قال به أكثر وهو أصح في النَّظَر، ولا يكون القول بالشيء أكثر من الفعل، وليس يختلف المسلمون في الزاني المجلود أن شهادته مقبولة إذا تاب (٤).

قالوا: وأما ما ذكرتم عن ابن عباس فقد قال الشافعي: بلغني عن ابن عباس أنه وإن يجيز شهادة القاذف إذا تاب (٥)، وقال علي بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} ثم قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب اللَّه تقبل (٦). وقال شَرِيك، عن أبي حَصين، عن الشعبي: يقبل اللَّه توبته ولا يقبلون شهادته (٧)؟! وقال مُطَرِّف عنه: إذا فرغ من ضربه فأكذب


= انظرها في: "البرهان" (١/ ٢٨٨ - ٢٨٩)، و"الكوكب الدري" (٣٩٣ - ٣٩٨)، و"إرشاد الفحول" (ص ١٥٠ - ١٥٢، المسألة العاشرة)، وفي "الإحكام" (٢/ ٢٧٨ - ٢٨٠) للآمدي، "والاستغناء في حكم الاستثناء" (ص ٦٥٧)، و"شرح تنقيح الفصول" (ص ٢٤٩) كلاهما للقرافي، و"إحكام الفصول" (٢٧٧)، و"الإشراف" للقاضي عبد الوهاب (٥/ ٥٩ وتعليقي عليه)، و"تفسير القرطبي" (١٢/ ١٨٠ - ١٨١).
(١) في (ق) بعدها: "أنه".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٣) كذا في (ق) و (ك) وفي سائر النسح: "فقال".
(٤) نحو المذكور هنا عند أبي عبيد في "الناسخ والمنسوخ" أيضًا (ص ١٥٣ - ١٥٤).
(٥) قبول ابن عباس لشهادته رواه البيهقي (١٠/ ١٥٣) وابن حزم في "المحلى" (٩/ ٤٣١) من طريق علي بن أبي طلحة عنه وانظر ما بعده.
(٦) رواه ابن جرير الطبري (١٨/ ٧٩ - ٨٠)، وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" (رقم ٢٧٥) والبيهقي في "سننه الكبرى" (١٠/ ١٥٣)، وعزاه في "الدر المنثور" لابن المنذر (٦/ ١٣١)، من طريق عبد اللَّه بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي به، وعبد اللَّه بن صالح، ومعاوية فيهما كلام، وعلي بن أبي طلحة أرسل عن ابن عباس ولم يره وله "صحيفة" عنه انظر هذا الخبر فيها (رقم ٩٠٧).
(٧) رواه البيهقي (١٠/ ١٥٣) من هذا الطريق وسنده ضعيف، لضعف شريك وهو القاضي، وأبو حصين هو عثمان بن عاصم من الثقات. =

<<  <  ج: ص:  >  >>