للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبينها وأقربها إلى العقل، فقال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠)} فإذن (١) هذا دليل على تمام قدرته وإخراج الأموات من قبورهم كما أخرج النار من [الشجرة الخضراء] (٢)، وفي ذلك جوابٌ عن شُبْهةِ من قال من مُنكري المعاد: الموتُ باردٌ يابسَ، والحياة طَبْعها الرطوبة والحرارة، فإذا حَل الموتُ بالجسم لم يمكن أن تحل فيه الحياة بعد ذلك لتضاد ما بينهما، وهذه شبهة تليق بعقول المكذبين الذين لا سَمْعَ لهم ولا عَقْل؛ فإن الحياة لا تجامع الموتَ في المحل الواحد ليلزم ما قالوا، بل إذا أوجَدَ اللَّه فيه الحياة وطَبْعَها ارتَفَع الموتُ وطبعُه، وهذا الشجر الأخضر طبعُه الرطوبة والبرودة تَخرجُ منه النار الحارة اليابسة، ثم ذكر ما هو أوضح للعقول من كل دليل، وهو خَلْق السَّموات والأرض مع عظَمتهما وسَعَتهما وأنه لا نِسبةَ للخلق الضعيف إليهما، و [مَنْ] (٣) لم تعجز قدرته وعلمه عن هذا الخلق العظيم الذي هو أكبر من خلق الناس كيف تعجز عن إحيائهم بعد موتهم؟ ثم قَرَّر هذا المعنى بذكر وَصفين من أوصافه مُستلزمين لما أخبر به فقال: {بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} فكونه خَلاقًا عليمًا يقتضي أنه (٤) يخلق ما يشاء، ولا يعجزه ما أراده من الخلق، ثم قرر هذا المعنى بأن عموم إرادته وكمالها لا يَقْصر عنه (٥) ولا عن شيء أبدًا، فقال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} فلا يمكنه الاستعصاء عليه، ولا يتعذر عليه، بل يأتي طائعًا منقادًا لمشيئته وإرادته، ثم زاده تأكيدًا وإيضاحًا [بقوله] (٦): {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} فنَّزهَ نفسه عما يَظنُّ (٧) به أعداؤه المنكرون للمَعَاد [مُعظِّمًا لها] (٨) بأن مُلْك كلِّ شيء بيده يتصرف فيه تصرف المالكِ الحق في مملوكه الذي لا يمكنه الامتناعُ عن أي تصرف شاءه فيه، ثم ختم السورة بقوله: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} كما أنهم ابتدأوا منه هو فكذلك مَرْجِعُهم إليه، فمنه المبدأ وإليه المَعَاد، وهو الأول والآخر: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: ٤٢].


(١) في (ق) و (ك): "فإن".
(٢) في (ك): "من الشجر الأخضر"، ووقع في (ق) بعدها: "أو في".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٤) في المطبوع و (ك): "أن".
(٥) في (ك) و (ق): "لا تقصر عن .. . . "، ومكان النقط بياض، وقال في هامش (ق): "لعله: إعادتهم، واللَّه أعلم".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٧) في المطبوع: "نَطَق".
(٨) في (ق): "معلمًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>