للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه قوله تعالى: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا}؟ [مريم: ٦٦، ٦٧]، فتأمل تضمن (١) هذه الكلمات -على اختصارها وإيجازها وبلاغتها- للأصل والفرع والعلة والحكم.

ومنه قوله تعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا}؟ [الإسراء: ٤٩]، فردّ عليهم سبحانه ردًّا يتضمن الدليل القاطع على قدرته على إعادتهم خلقًا جديدًا فقال: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: ٥٠، ٥١] فلما استبعدوا أن يُعيدهم اللَّه خلقًا جديدًا بعد أن صاروا عظامًا ورفاتًا قيل لهم: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ}، سواء كان الموت أو السماء أو الأرض أو أي خلق [استعظمتموه وكبرُ في صُدوركِم] (٢)؛ ومَضْمُونُ الدليل أنكم مَرْبُوبُون مخلوقون مقهورون على ما يشاء خالقكم، وأنتم لا تقدرون على تغيير أحوالكم مِنْ خِلْقَة إلى خِلْقة لا تقبل الإضمحلال كالحجارة والحديد، ومع ذلك فلو كنتم على هذه الخلقة من القوة والشدة لنفذت أحكامي فيكم وقدرتي ومشيئتي، ولم تسبقوني ولم تفوتوني، كما يقول القائل لمن هو في قَبْضَته: اصْعَدْ إلى السماء فإني لاحِقُكَ، أي لو صعدت إلى السماء لِحقتُك، وعلى هذا فمعنى الآية: لو كنتم حجارة أو حديدًا أو أعْظَمَ خلقًا من ذلك؛ لما أعجزتموني ولما فتُّموني (٣) وقيل: المعنى كونوا حِجَارة أو حديدًا عند أنفسكم، أي صَوِّروا أنفسكم وقَدِّروها [كذلك] (٤) خَلْقًا لا يضمحلُّ ولا ينحل، فإنَّا سنميتكم ثم نحييكم ونعيدكم خلقًا جديدًا، وبَيْن المعنيين فَرْقٌ لَطيف، فإنَّ المعنى الأول يقتضي أنكم لو قَدَرتُم على نَقْل خلقتكم (٥) من حالة إلى حالة هي أشد منعها وأقوى لنفذت مشيئتنا وقدرتنا فيكم ولم تعجزونا، فكيف وأنتم عاجزون عن ذلك؟

والمعنى الثاني يقتضي أنكم صوروا أنفسكم وأنزلوها هذه المنزلة، ثم انظروا أتفوتونا وتعجزونا أم قدرتُنا ومشيئتُنا مُحيطة بكم ولو كنتم كذلك؟ وهذا من


(١) سقطت من (ك) و (ق).
(٢) في (ق) و (ك): "استعظموه وكبر في صدورهم".
(٣) في (ق): "فتوني".
(٤) ما بين المعقوفتين من (ق).
(٥) في (ن): "خلقكم".

<<  <  ج: ص:  >  >>