للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبلغ البراهين القاطعة التي لا تعرض فيها شبهة البتة، بل لا تَجدُ العقولُ السليمة عن الإذعان والانقياد لها بُدًّا (١)، فلما علم القومُ صحة هذا البرهان وأنه ضروري انتقلوا إلى المطالبة بمن يُعيدهم فقالوا: مَنْ يعيدنا؟ وهذا سواء كان سؤالًا منهم عن تعيين المعيد أو إنكارًا منهم له فهو (٢) من أقبح التعنّت وأَبينِه، ولهذا كان جوابه: {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ولمَّا علم القومُ أن هذا جوابٌ قاطع انتقلوا إلى باب آخر من التعنت، وهو السؤال عن وَقْت هذه الإعادة، فأنْغَضُوا إليه رؤوسهم (٣) وقالوا: متى هو؟ فقال تعالى: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} فليتأمل اللبيبُ لُطْفَ موضع (٤) هذا الدليل، واستلزامه لمدلوله استلزامًا لا مَحِيدَ عنه، وما تضمنه من السؤالات (٥) والجواب عنها أبلغ جواب وأصحه وأوضحه، فلله ما يفوت المعْرضين عن تدبُّر القرآن المتعوضين عنه بزبالة الأذهان ونُخَالة الأفكار (٦).

ومنه قوله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) [ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا] (٧) وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧)} [الحج: ٥ - ٧]، وقوله [تعالى] (٨): {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)} [فصلت: ٣٩]، جعل [اللَّه] (٨) سبحانه إحياء الأرض [بالنبات] (٨) بعد موتها نظيرَ إحياء الأموات، وإخراج النبات منها نظير إخراجهم من القبور، ودلَّ بالنظير على نظيره.


(١) وقع في (ق): "السليمة بدًا عن الإذعان والانقياد لها".
(٢) في (ن): "وهذا"، ووقع في (ق): "فهو أقبح التعنت".
(٣) يقال: نغض رأسه، من باب نصر وضرب، أي: تحرك، وأنغضه هو، أي حركه كالمتعجب من الشيء، ومنه قوله تعالى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} [الإسراء: ٥١] " (د)، ونحوه في (ط) و (خ) و (و).
(٤) في المطبوع: "موقع".
(٥) وقع في (و): "السؤلان"، وفي (ك): "تضمنته من السؤالات".
(٦) في (ك): "ونخامة الأفكار" وفي (ق): "ونحاتة" وانظر تفسير الإمام ابن القيم لهذه الآيات في كتابه القيم: "الصواعق المرسلة" (٣/ ٤٧٨ - ٤٨٠).
(٧) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "إلى قوله".
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>