للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى المَفْسَدة، فصار سد الذرائع المُفْضِية إلى الحرام أحد أرباع الدين" (١).

ولذا، فإن سد الذرائع "يمثل الدور الدفاعي والوقائي بالنسبة لمقاصد الشريعة، ولا سيما أن المصلحة ينبغي أن ينظر إليها من جانبين: الوجود والعدم" ولذا فإن جماع المقاصد وقوامها جلب المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وهذا يلتقي مع ضرورة النظر في (مآلات الأفعال) (٢).

ويقودنا هذا إلى القول بأن الأخذ بسد الذرائع يمثل سدًا لأبواب التحيل على الشرع، وحسمًا لمادة الشر والفساد، لعلم الشارع بما جبلت عليه النفوس، من خفي هواها الذي لا يزال يسري بها حتى يقودها إلى الهلكة، فسدّ الذرائع يمثل تقويمًا لمسار المكلفين ومقاصدهم، ويحملهم على أن يوافقوا قصد الشارع في تكاليفه وأحكامه، وعلى ألا يتحذلقوا على الشارع، فربما أوقعهم ذلك في الكفر أو الابتداع أو الفسوق أو العصيان (٣).

واستفاد ابن القيم من التقرير السابق أن القول بتجويز الحيل يناقض سد الذرائع، قال في (٤/ ٦٦): "فهذه الوجوه التي ذكرناها وأضعافها تدل على تحريم الحيل والعمل بها والإفتاء بها في دين اللَّه" وأخذ في سرد أدلة تحريم الحيل، وذم السلف لها، وبيَّن أن القول بحرمتها أقوى من القياس (٤)، قال في (٤/ ٩٣ - ٩٤):


(١) انظر: (٤/ ٦٥).
(٢) وهو الذي نادى به الشاطبي على وجه فيه تأصيل بديع، انظر: "الموافقات" (٥/ ١٧٧ - ٢٠٠ - بتحقيقي).
(٣) انظر: "بيان الدليل" (٣٥٢ - ٣٥٣ بتحقيق - فيحان) و"تفسير آيات أشكلت" (٢/ ٦٨١)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" (٢٣/ ٢١٤ - ٢١٥ و ٣٢/ ٢٢٨ - ٢٢٩).
(٤) قال صديق حسن خان في "ذخر المحتي" مبّينًا مباحث كتابنا هذا بعد كلام: "ثم ذكر بعد ذلك فصولًا في الحيل التي أحدثها الفقهاء، وضرب لها أمثلة كثيرة يبلغ عدُّها إلى المثال الخامس عشر بعد المئة، وذكر تحت كل مثال منها مخارج منها، فجاء الكتاب سفرًا كبيرًا"، وقال (ص ١١٨) بعد ذكره الحيل المحرمة والحيل الجائزة: "وقد ذكر الحافظ ابن القيم رحمه اللَّه في "الأعلام" من النوعين، ما لعلك لا تظفر بجملته في غير ذلك الكتاب، واللَّه الموفق للصواب" وقال (ص ١٢٩): "وقد تكلم في "الأعلام" على هذه المسألة مستوفًى، لعلك لا تظفر بمثله في كتاب غيره، فإن شئت فراجعه وباللَّه التوفيق".
وقال المحمصاني في "فلسفة التشريع في الإسلام" (ص ٢٢٥): "وقد عقد ابن القيم في هذا الموضوع، -أي: الحيل- فصولًا طويلة، بيَّن فيها بإسهاب الأدلة على بطلان هذه الحيل، ورد على حجج من جوّزها، ثم فرق بين الحيل المحرمة والحيل المشروعة، وضرب منها أمثلة كثيرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>