للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم السراق بمكرهم وخداعهم وغشهم، وبالجملة، فحيل هذا الضرب من الناس أكثر الحيل" (١)، وذكر نوعي أرباب الحيل، وأنواع الحيل المحرمة الثلاثة (٢)، وذكر تحتها مئة وسبع عشرة مثلًا.

واستطرد في بعض هذه الأمثلة، وأوجز في بعضها الآخر، ولم تخلُ انفرادات شيخه ابن تيمية منها، فذكر -مثلًا- (المثال الثاني والستين) وهو في (مسألة الحلف بالطلاق)، وذكر أثر ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: "العتق ما ابتغي به وجه اللَّه، والطلاق ما كان عن وطر" (٣)، وقال:

"فتأمل هاتين الكلمتين الشريفتين الصادرتين عن علم قد رسخ أسفلُه، وبَسَقَ أعلاه، وأينعت ثمرتُه، وذللت للطالب قطوفُه، ثم احكم بالكلمتين على أيمان الحالفين بالعتق والطلاق، هل تجد الحالفَ بهذا ممن يبتغي به وجه اللَّه، والتقربَ إليه بإعتاق هذا العبد؟ وهل تجد الحالفَ بالطلاق ممن له وطر في طلاق زوجته؟ فرضي اللَّه عن حَبْرِ هذه الأمة لقد شَفَتْ كلمتاه هاتان الصدورَ، وطبقتا المفصلَ، وأصابَتَا المحزَّ، وكانتا برهانًا على استجابة دعوة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- له أن يعلمه اللَّه التأويل ويفقهه في الدين، ولا يوحشنَّك مَنْ قد أقرَّ على نفسه هو وجميع أهل العلم أنه ليس من أولي العلم، فإذا ظفرتَ برجل واحد من أولي العلم طالب للدليل مُحَكم له متبع للحق حيث كان وأين كان ومع من كان زالت الوحشة وحصلت الألفة، ولو خالفك فإنه يخالفك ويعذرك، والجاهل الظالم يخالفك بلا حجّة ويكفّرك أو يُبَدِّعُكَ بلا حجة، وذنبك رغبتك عن طريقته الوخيمة، وسيرته الذميمة، فلا تفتر بكثرة هذا الضرب، فإن الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون بشخص واحد من أهل العلم، والواحد من أهل العلم بعدل بملء الأرض منهم" (٤).

وأخذ بعد ذلك في ذكر الآثار الدالة على أن الجماعة صاحب الحق، وإن


(١) انظر: (٤/ ٢٩٩)، وما علقناه عليه لزامًا.
(٢) انظرها في (٤/ ٣١٠ وما بعد).
(٣) انظر تخريجه في التعليق على (٤/ ٣٨٧).
(٤) انظر: (٤/ ٣٨٧ - ٣٨٨) واعتنى الشوكاني في "نيل الأوطار" (٧/ ٥٧ - ٦٠) بكلام المصنف عناية فائقة، وقال: "ومن المطوّلين للبحث في هذه المسألة الحافظ ابن القيم. . . فإنه ذكر في كتابه المعروف "إعلام الموقعين" خمسة عشر مذهبًا، وسنذكر ذلك على طريقة الاختصار، ونزيد عليه فوائد. . . ".

<<  <  ج: ص:  >  >>