كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور

[خطاب عمر إلى أبي موسى] - فصل [كان أصحاب النبي يجتهدون ويقيسون] - ج: 2 - ص: 358

ولما قاس مُجزَّز المدلجي وقافَ (١)، وحكم بقياسه وقيافته على أنَّ أقدام زيدٍ وأسامة ابنه بعضها من بعض سُرَّ بذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى برقت أساربرُ وجهه من صحة هذا القياس وموافقته للحق (٢)، وكان زيدٌ أبيضَ وابنه أسامة أسود، فأَلحق هذا القائف الفرع بنظيره وأصله، وألغى وصفَ السواد والبياض الذي لا تأثيرَ له في الحكم.

وقد تقدّم قولُ الصديق [-رضي اللَّه عنه-] في الكلالة: "أقولُ فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن اللَّه، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، أراه ما خلا الوالد والولد" (٣) فلما اسْتُخْلِف عمر قال: "إني لأستحي من اللَّه أن أردَّ شيئًا قاله أبو بكر" (٤) وقال الشعبي، عن شُريح قال: قال لي عمر: اقضِ بما استبانَ لك من كتاب اللَّه، فإنْ لم تعلم كلَّ كتاب اللَّه فاقض بما استبان لك من قضاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فإنْ لم تعلم كلَّ أقْضِيَةِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاقْضِ بما استبان لك من أئمة المهتدين، فإنْ لم تعلم كل ما قَضَتْ به أئمة المهتدين فاجتهد رأيك، واستشرْ أهل العلم والصلاح (٥). وقد اجتهد ابن مسعود في المفَوِّضة وقال: أقول فيها برأيي (٦)، ووفقه اللَّه للصواب، وقال سفيان، عن (٧) عبد الرحمن الأصبهاني، عن عكرمة

---

(١) "القائف": الذي يتتبع الآثار ويعرفها، ويعرف شبه الرجل باخيه وأبيه، يقال: قاف فلان يقوف. (و).
(٢) سيأتي تخريجه.
(٣) أخرجه عبد الرزاق (١٠/ ٣٠٤ رقم ١٩١٩١)، وابن أبي شيبة (١١/ ٤١٥ - ٤١٦) في "مصنفيهما"، والدارمي (٢/ ٣٦٥)، وسعيد بن منصور (٣/ ١١٨٥ رقم ٥٩١)، والبيهقي (٦/ ٢٢٤)، وابن جرير في "التفسير" (٤/ ٢٨٣، ٢٨٤) من طريق عاصم بن سليمان الأحول عن الشعبي به.
وأورده ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (٢/ ٩١١/ رقم ١٧١٢) عن ابن مسعود، ولم يسنده، وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٤) قاله في تفسير أبي بكر للكلالة الذي تقدم: رواه الدارمي في "سننه" (٢/ ٣٦٥)، وابن جرير في "التفسير" (٤/ ٢٨٤).
(٥) وجدت قريبًا من هذا اللفظ ما رواه النسائي (٨/ ٢٣١)، وابن أبي شيبة (٧/ ٢٤٠)، والدارمي (١/ ٦٠)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (٢/ ٩٩)، وابن عبد البر (١٥٩٥ و ١٥٩٦)، ووكيع في "أخبار القضاة" (٢/ ١٨٩ - ١٩٠، ١٩٠) والبيهقي (١٠/ ١١٥)، وابن حزم في "الإحكام" (٥/ ٢٠٦) من طرق عن الشعبي به، وإسناده صحيح.
ووقع في (ك): "كل قضاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-".
(٦) سبق تخريجه.
(٧) في (ق) و (ك): "بن".