للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَصَّرت طائفةٌ أخرى فلم تمنع المحرمة (١) من البُرْقُعِ ولا اللِّثام، قالوا: إِلا أن يدخلا (٢) في اسم النقاب فتُمنع منه، وعُذْرُ هؤلاء أنَّ المرجعَ إلى ما نَهَى عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ودخل في لفظ المَنْهي عنه [فقط] (٣)، والصَّوابُ النهيُّ عما دخل في عموم لفظه وعموم معناه وعلَّته؛ فإنَّ البرقع واللثام وإن لم يُسمَّيا نقابًا، فلا فرق بينهما وبينه، بل إذا نُهِيَتْ عن النقاب فالبرقع واللِّثام أولى؛ ولذلك منعتها أم المؤمنين من اللثام.

ومن ذلك لفظ الفدْيَة، أدخل فيها طائفةٌ خُلْعَ الحيلة على فعل المحلوف عليه مما هو ضد الفدية؛ إذ المراد بقاء النِّكاح بالْخَلاص من الحِنْث، وهي إنّما شُرِعت لزوال النكاح عند الحاجة إلى زواله، وأخرجت منه طائفة ما فيه حقيقة [الفدية] (٤) ومعناها، واشترطت له لفظًا معينًا، وزعمت أنه لا يكون فدية وخلعًا إِلا به، وأولئك تجاوزوا به، وهؤلاء قصروا به؛ والصواب أن كل ما دخله المال فهو فدية بأي لفظ كان، والألفاظ لم تُرَدْ لذواتها ولا تعبدنا بها (٥)، وإنما هي وسائل إلى المعاني؛ فلا فرق قَطُّ بين أن تقول: "اخلعني بألف"، أو: "فَادِني بألف" (٦) لا حقيقة ولا شرعًا، ولا لغة ولا عرفًا؛ وكلامُ ابن عباس والإمام أحمد عام في ذلك، لم يقيده أحدهما بلفظ، ولا استثنى لفظًا دون لفظ، بل قال ابن عباس: عامة طلاق أهل اليمن الفداء (٧)، وقال الإمام أحمد: الخلع فرقة، وليس بطلاق، وقال: الخلع ما كان من جهة النساء (٨)، وقال: ما أجازه المال فليس بطلاق، وقال: إذا خالَعَهَا بعد تطليقتين فإن شاء راجَعَها فتكون معه على واحدة.


(١) في (ق): "المرأة".
(٢) في (ق): "يدخل".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٥) في (ق) و (ك): "والألفاظ لا تراد لذواتها ولعدمانها".
(٦) في (ق) و (ك): "أن تقول: اخلعني أو فارفني بألف".
(٧) أقول: القائل ليس ابن عباس، ففي "مصنف عبد الرزاق" (١١٧٦٥) أن طاوسًا قال: كنت عند ابن عباس إذ سأله إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، فقال: أني أُستعمل هاهنا -وكان ابن الزبير يستعمله على اليمن على السعايات- فعلمني الطلاق فإن عامة تطليقهم الفداء.
(٨) هل الخلع طلاق أو لا؟ قرار ابن القيم -رحمه اللَّه- في "زاد المعاد" (٤/ ٣٦ - ٣٧) أنه فسخ، وليس طلاقًا، وانظر في تقرير هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (٣٢/ ٣٠٩)، "فتح الباري" (٩/ ٣٠٧)، و"أحكام الخلع" (٥٤ - ٥٦، ٦٣ - ٦٤)، وتعليقي على "الإشراف" (٣/ ٣٧٦ - ٣٧٧) للقاضي عبد الوهاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>