للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمه، وكان اللَّه قد عفا عن ذلك وسامَحَ به عباده، كما يعفو عما فيه مَفْسَدة من أعمالهم وأقوالهم؛ فمن المعلوم أنَّ سكوته عن ذكر لَفْظٍ عام (١) يحرِّمه يدلُّ على أنه عَفْو عنه (٢)، فمن حَرَّمه بسؤاله عن علَّة التحريم، وقياسِهِ على المحرَّم بالنص كان أدْخَلَ في الذَّمِّ ممّن سأله عن حكمه لحاجته إليه؛ فحُرَّم من أجل مسألته، بل كان الواجبُ عليه أن لا يبحثَ عنه، ولا يسأل عن حُكمه، اكتفاءً بسكوتِ اللَّه عن [عَفْوه] (٣) عنه؛ فهكذا الواجبُ [عليه] (٣) أن لا يُحرِّم المسكوت عنه بغير النَّص الذي حرَّم اللَّه أصْلَه الذي يُلْحَق به.

قالوا: وقد دلَّ على هذا كتاب اللَّه حيث يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} [المائدة: ١٠١، ١٠٢]، وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "ذَرُونِي ما تركتُكُم، فإنما هَلَكَ الذين مِنْ قبلكم بكثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجْتَنِبُوهُ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" (٤)، فأمرهم أن يتركوا من السؤال ما تركهم، ولا فَرْقَ في هذا في حياته (٥)، و [بعد] (٦) مماته، فنحن مأمورون أن نتركه -صلى الله عليه وسلم-، وما نصَّ عليه، فلا نقول [له] (٣): لِمَ حرَّمت كذا؟ لِنُلحق به ما سكت عنه، بل هذا أبْلَغُ في المعصية من أن نسأله عن حكم شيء لم يحكمْ فيه، فتأمَّلْه فإنه واضحٌ.

[ويدل عليه قوله في نفس الحديث: "وإذا نهيتكم عن شيء فاجْتَنبُوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتم"] (٧)، فجعل الأمور ثلاثةً، لا رابع لها: مأمور به، فالفَرْض عليهم فِعْلُه بحسب الاستطاعة، ومنهيٌّ عنه، فالفرض عليهم اجتنابُه بالكليَّة، ومسكوت عنه؛ فلا يُتَعَرَّضُ (٨) للسُّؤَالِ والتفتيش عنه.

وهذا حكم لا يختصُّ بحياته فقط، ولا يخصُّ الصَّحابةَ دون مَنْ بعدهم، بل


(١) في (ق): "أن سكوته عن ذلك بلفظ عام".
(٢) في (ق): "عفو عنده".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٤) سبق تخريجه، وفي (ق): "فإنما هلك من كان قبلكم. . .، وإذا أمرتكم بأمر فافعلوا".
(٥) في المطبوع و (ن): "في هذا بين حياته".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(٧) بدل ما بين المعقوفتين في (ن): "ما نهيتكم عنه؛ فاجتنبوه. . . " الحديث.
(٨) في (ق): "فلا نتعرض".

<<  <  ج: ص:  >  >>