للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيجابُه قياسًا على ما أَوْجبه أو حرَّمه بجامع بينهما؛ فإنَّ ذلك يستلزم رَفْعَ هذا القسم بالكليَّة وإلغاءه؛ إذ المسكوتُ عنه لا بدَّ أن يكون بينه وبين المُحرَّم شَبَهٌ ووصفٌ جامع (١)، أو بينه وبين الواجب، فلو جاز إلحاقُهُ به لم يكن هناك قِسْمٌ قد عُفي عنه، ولم يكن ما سكت عنه قد عفا عنه، بل يكون ما سكت عنه قد حَرَّمَه قياسًا على ما حرمه، وهذا لا سبيلَ إلى دفعه، وحينيذٍ فيكون (٢) تحريم ما سكت عنه تبديلًا لحكمه، وقد ذَمَّ تعالى مَنْ بَدَّل غير القول الذي أُمر به؛ فمن بدَّل غيرَ الحكم الذي شَرَع له فهو أولى بالذم، وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ مِن أعظم المسلمين [في المسلمين] جُرْمًا من سأل عن شيء لم يُحَرَّمْ فحُرِّم على الناس من أجل مسألته" (٣)، فإذا كان (٤) فيمن تسبَّب إلى تحريم الشارع صريحًا بمسألته عن حُكم ما سَكتَ عنه، فكيف بمن حَرَّم المسكوتَ عنه بقياسه وبرأيه؟

يوضِّحه أنَّ المسكوتَ عنه لما كان عَفْوًا عفا اللَّه لعباده عنه، وكان البحثُ عنه سببًا لتحريم اللَّه إيّاه لما فيه من مُقْتَضى التحريم، لا لمجرد السؤال عن


= حاتم وابن المنذر وابن مردويه -كما في "الدر المنثور" (٥/ ٥٣١) - عن أبي الدرداء مرفوعًا: "ما أحل اللَّه في كتابه؛ فهو حلال، وما حرم؛ فهو حرام، وما سكت عنه؛ فهو عفو، فاقبلوا من اللَّه عافيته؛ فإن اللَّه لم يكن لينسى شيئا".
بإسناده حسن، ورجاله موثقون؛ كما قال الهيثمي في "المجمع" (١/ ١٧١)، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، وقال البزار: "إسناده صالح" ونقله عنه ابن رجب في "شرح الأربعين" (ص ٢٠٠) وأقره، وحَسَّن إسناده شيخنا الألباني في "غاية المرام" (رقم ٢).
وفي الباب عن سلمان وعائشة وابن عمر ومرسل الحسن وعن ابن عباس موقوفًا انظر تخريجها في تعليقي على "تحقيق البرهان" (ص ١٣٦ - ١٣٧/ ط الثانية) للشيخ مرعي، والتعليق على "سنن سعيد بن منصور" (٢/ ٣٢٠ - ٣٣٠) للشيخ سعد آل حميد.
(١) في (ق) و (ك): "شبهًا ووصفًا جامعًا"!
(٢) في (ق): "يكون".
(٣) أخرجه البخاري في "الصحيح" (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة): باب ما يكره من كثرة السؤال ومن تكلف ما لا يعنيه، (١٣/ ٢٦٤/ رقم ٧٢٨٩)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الفضائل): باب توقيره -صلى اللَّه عليه وسلم- وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، (٤/ ١٨٣١/ رقم ٢٣٥٨) من حديث سعد ابن أبي وقاص -رضي الله عنه-.
قال بعض أهل العلم: الحكمة من مثل هذا الإنذار تأكيد النهي عن إلقاء الأسئلة في وقت غير لائق من غير أن تدعو إليها الحاجة، وتحريم الشيء عقوبة وتأديبًا وقع في بعض الشرائع الماضية، كما قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: ١٦٠]، ولكن لم يقع في الشريعة الإسلامية بحال.
وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٤) في (ق): "فإذا كان هذا فيمن".

<<  <  ج: ص:  >  >>