للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي الشبهة في المحلِّ، أو في الفاعل، أو في الاعتقاد، ولو عرض هذا على فَهْم مَنْ فُرض من العالمين، لم يفهمه من هذا اللفظ بوجه من الوجوه، وأنَّ مَنْ يطأ خالته أو عمته بملك اليمين فلا حدَّ عليه مع علمه بأنَّها خالتُه أو عمتُه، وتحريم (١) اللَّه لذلك، ويفهم هذا مِنْ: "ادرؤوا الحدود بالشُّبهات" (٢) وأَضْعاف [أضعاف] (٣) هذا مما لا يكاد ينحصر.

فهذا التمثيل والتشبيه هو الذي ننكره، وننكرُ أن يكونَ في كلام اللَّه ورسوله دلالةٌ على فهمه بوجهٍ ما.

قالوا (٤): ومن أين يُفهم من قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} [النحل: ٦٦ والمؤمنون: ٢١]، ومن قوله: {فَاعْتبِرُواْ} [الحشر: ٢] تحريم بيع الكشك باللبن، وبيع الخل بالعنب، ونحو ذلك؟

قالوا: وقد قال اللَّه تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: ١٠]، ولم يقل: "إلى قياساتكم وآرائكم" ولم يجعل اللَّه آراءَ الرجال وأقيستها حاكمة بين الأمة أبدًا.

وقالوا (٥): وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦]، فإنّما منعهم من الْخِيَرَةِ عند حكمه وحكم رسوله، [لا] (٦) عند آراء الرِّجال وأقيستهم وظنونهم، وقد أمر اللَّه -سبحانه- رسولَه باتِّباع ما أوحاه إليه خاصة، وقال: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: ٥٠، يونس: ١٥]، وقال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩]، وقال [تعالى] (٧): {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١]، قالوا: فدل هذا النصُّ على أنَّ ما لم يأذن به اللَّه من الدين فهو شَرْعُ غيرِهِ الباطلُ.

قالوا: وقد أخبر النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ربه تبارك وتعالى أنَّ كل ما سَكَتَ عن إيجابه أو تحريمه فهو عَفْوُ عَفَا عنه لعباده (٨)، يباح إباحة العفو؛ فلا يجوزُ تحريمه ولا


(١) في (ن): "بتحريم".
(٢) مضى تخريجه قريبًا.
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(٤) "يعني المنكرين للقياس" (و).
(٥) في (ق): "قالوا".
(٦) ما بين المعقوفتين من (ق) وحدها.
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٨) أخرج الدارقطني (٢/ ١٣٧)، والحاكم في "المستدرك" (٢/ ٣٧٥)، والبزار في "مسنده" (رقم ١٢٣، ٢٢٣١، ٢٨٥٥ - زوائده)، والبيهقي في "الكبرى" (١٠/ ١٢)، وابن أبي =

<<  <  ج: ص:  >  >>